العيد بوصفه مقاومة للعبث

من منظور فلسفي، العيد هو مقاومة للعبث. إنه احتجاج ناعم على رتابة الحياة، وعلى قسوة الوجود. هو إعلان رمزي بأن الإنسان، رغم هشاشته، قادر على اختراع الفرح، حتى من رماد الحروب والمحن. الأعياد تظهر كيف يصنع البشر معنى جماعيا، وكيف يتحولون من أفراد تائهين إلى جماعة تتقاسم الذكرى، وتحتفل بالمشترك، مهما اختلفت تفاصيلهم الصغيرة.
لكن العيد أيضا، حين يلامس قلوب المفجوعين، يصبح مرآة مزدوجة. هو يبهجك نعم، لكنه يذكرك بمن غاب. يعيد فتح أدراج الذاكرة. يخبرك أن الفرح لا يأتي نقيا، بل مخلوطا بالحنين، وأن الضحكة التي نطلقها، غالبا ما تكون محاطة بصمت داخلي عميق.
وهكذا، يبقى العيد ظاهرة إنسانية بامتياز. مناسبة لاستهلاك الفرح، نعم، ولكن أيضا مناسبة لتأمل الذات، وتجديد علاقتنا بالزمن، وبالآخر، وبالطفل الكامن في أعماقنا. في العيد، نصافح الماضي، ونبتسم للحاضر، ونحاول، ما استطعنا، أن نمنح المستقبل شيئا من الرجاء.
العيد نداء الإنسان إلى السلام
هو نداء قديم في قلب الإنسان، يطلب فيه لحظة سلام، لحظة دفء، لحظة يلتقي فيها مع الآخرين لا باعتبارهم مجرد “آخرين”، بل كأجزاء من ذاته الممتدة.
كل عيد يحمل أثرا من الزمن: ملابس الطفولة، أصوات من رحلوا، رائحة الحلوى التي كانت تصنعها الجدة، نظرات الأم وهي تخفي تعبها بابتسامة الرضا. في العيد، لا نلتقي فقط بمن حولنا، بل نلتقي بمن كنا، وبمن فقدنا، وبمن لم نعد قادرين على الوصول إليهم إلا عبر الذاكرة.
وهنا تكمن مفارقة العيد: إنه يجمع بين الفرح والحنين، بين الضحكة والدمعة، بين الأمل والخسارة. من فقد أما أو أبا، يدرك أن العيد لم يعد كما كان. ومن تغيرت حياته، يعرف أن الأعياد لا تعيد الزمان، لكنها تمنحنا فرصة للتصالح معه.
الأعياد تذكرنا بأن الفرح لا يحتاج إلى كمال الظروف، بل إلى وعي باللحظة. إنها، ببساطة، إعلان داخلي: “أنا أحتفل بالحياة، رغم كل شيء”.
ولذلك فإن الفرح في العيد ليس مجرد انفعال عابر، بل خيار وجودي، وقرار بالانتماء إلى ما هو جميل، وما هو مشترك، وما يربطنا بالآخرين رغم اختلافاتنا.
وحين ينقضي العيد، يبقى صداه في القلب. يبقى شيء من دفء اللقاء، من براءة الأطفال، من لحظات الصفح والتسامح التي أتاحها لنا العيد. نحن لا نعود كما كنا قبل العيد. ربما لا ندرك ذلك مباشرة، لكن الأعياد، حين تعاش بصدق، تغيرنا ولو قليلا. تعلمنا أن للحياة وجوها كثيرة، وأن فينا قدرة دائمة على خلق النور، حتى في أكثر الفصول ظلمة…
ابتهال عبد الوهاب