كتاب عدن

المأساة عينها..



حين تكررت انقطاعات تيار الكهرباء بسبب اعتداءات التخريب لخطوط الطاقة في مأرب في نيسان من العام ٢٠١١م ؛ أول ما استلمت مرتبي الشهري من ” كاك بنك ” ، ذهبت إلى محلات علي محمد حسين لتجارة المواد الكهربائية .
كنت وقتها بمعية أبي مأرب ، الفقيد عباس صالح الشاعري ، رحمة الله تغشاه ، كان مرتبي ٩٣ الف ريال ، والدولار قيمته ٢٢٢ ريال . سألت البائع عن قيمة مولد ٣ كيلو وات ، ماركة النمر الصيني ” تيجر ” ؛ فأجاب : ب ٤٤ الف ريال ، تضاهي ٢٠٠ دولار .

دفعناها بكل يسر ، وتوجهنا لأقرب محطة وقود لتعبئة صفيحة بنزين سعة ٢٠ لتر ب ١٥٠٠ ريال . عُدنا والبهجة تتصدر وجهينا بحصولنا على المولِّد ، وأثناء عودتنا بسيارة أبي مأرب ، عرَّجنا على بقالة محسن العُسق ، حيثما دفعنا فاتورة ما استدناه من متجره خلال شهر أو يزيد .

كان أجمالي ما أستهلكته العائلة من دقيق وبر وزيت ورز وشاي ووو الخ ١٦ الف ريال . طبعا أخذت معي حبة دجاج ب ١٢٠٠ ريال ، وقات ب ١٠٠٠ ريال ، إضافة إلى خضرة وفاكهة تكفي لاسبوع بقيمة ٣٦٠٠ ريال .
المهم عدت للبيت وفي جيبي أكثر من ربع المرتب ، وحتمًا سيكفي مصاريف يومية ، وكذا لشراء متطلبات البيت من غاز ودواء وماء وكهرباء ..
احدِّث الفتيان عن هذه الأشياء فيظنُّون أنني أهذي أو أنني أقصُّ عليهم فيلمًا هنديًا شاهدته في طفولتي ، رغم أنني لم أحدِّثهم عن زمن بريطانيا في عدن ، ولا عن حال اليمنيين قبل الوحدة أو بعدها .

ومعهم كل الحق ، فهم لا يدركون مأساتنا ، فما كنت اتقاضاه شهريًا نحو ٤٢٠ دولار – تضاهي ١٦٠٠ ريال سعودي – ، وهذا المرتب ضئيل للغاية مقارنة بمرتبات الموظفين في دول الجوار ، لكنه على الأقل كان يغطي ضروريات الحياة اليومية ، ويحفظ لنا كرامتنا .

وإذا كان مرتبي الان لا يزيد عن ٢٠٠ ريال سعودي – ويزيد قليلا عن ٥٠ دولار – ؛ فكيف بمرتب متقاعد لا يتعدى ٤٢ أو ٤٦ ريال سعودي ؟! . تخيلوا أننا المأساة بعينها ، ومع وقعها علينا ليس هنالك من يصغي أو يخجل أو يتألم ..

أسأل وبمرارة عن ماهية ما خسرناه ؟ وعن حالنا اليوم في وطن فُقدت فيه كرامة الإنسان ، ومعها فُقد الحياء من وجوه المسؤولين . وعندما تُفقد الكرامة والحياء فعن أي حياة وحرية ومواطنة وعدالة ووطن يمكن الحديث ؟! .

مسؤولون ليس لديهم أدنى احساس بمعاناة النَّاس ، يتقاضون مرتباتهم بالدولار وبالريال السعودي وبلا أدنى إحترام لذاتهم وللمسؤولية ، بل وأكثر من ذلك ، إذ يعيشون حياة مترفة وبلا أي إعتبار لشعب يماثل مأساة عظيمة عرفتها البشرية في عصور الظلام والإنحطاط ..

محمد علي محسن

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد ايضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى