في زمن الاضطراب..يبقى للإنسانية موقف

أكتب إليكم اليوم في وقت تمر فيه منطقتنا، سواءً محلياً أو عربياً، بظروف صعبة واضطرابات متلاحقة. وكثيراً ما يُوجَّه إليّ سؤال:
“يا دكتور، لماذا لا تتخذ موقفاً من هذه الجماعة أو تلك الدولة؟”
وجوابي الدائم:
أنا طبيب، ومهمتي في هذه الحياة إنقاذ الإنسان.. كل إنسان.
رسالتي أن تصل كلمتي ونصيحتي الطبية إلى الجميع، دون استثناء، لأنها قد تنقذ حياة، وهذا أغلى من كل المواقف والانحيازات. ولهذا ألتزم بالحياد – رغم صعوبته – لأنه هو ما يمكّنني من الوصول إلى كل مكان، وكل طرف، في أوقات قد تُغلق فيها الأبواب بوجه الآخرين.
الحياد ليس ضعفاً، بل هو شرف المهنة، وهو ما يملي عليّ أن أكون طبيباً للجميع، دون لون أو راية أو شعار.
دعوني أشارككم قصة من الواقع، لا أنساها ما حييت:
في عام 2018، وأثناء المواجهات بين قوات الانتقالي وقوات الشرعية في عدن، كنت مناوباً في قسم الطوارئ. جاءنا مصابان في حالة حرجة – أحدهما من قوات الشرعية والآخر من قوات الانتقالي. أنا وزميلي بدأنا بإنعاش قلبي لهما في ذات اللحظة، لكنهما كانا قد وصلا متأخرَين، وفارقا الحياة.
ما لن أنساه أبداً أنني حين نظرت إليهما بعد توقفنا عن الإنعاش، وجدت أنهما كانا يمسكان بيدي بعضهما، وكان كل منهما يقول للآخر:
“لا تخليني أموت…”
هذه اللحظة كانت كفيلة بأن ترسّخ في داخلي معنى إنساني لا يُمحى: في النهاية، نحن بشر.. وكل روح تستحق الحياة.
رسالتي اليوم أن أظل على هذا الطريق، رغم الصخب والضغط والمطالبات بالمواقف. الطب أمانة، والحياد شرف، والإنسان أولاً.
أتمنى أن يعم السلام ربوع بلادنا والعالم كله.
من القلب،
د. عصام الفاتش