ادب وثقافة

ذكرى رحيل مبدع”الشهد والدموع” و”ليالي الحلمية”أسامة أنور عكاشة


ذكرى رحيل مبدع “الشهد والدموع” و”ليالي الحلمية” أسامة أنور عكاشة
 ـ نجاة الفارس

في مثل هذا اليوم الموافق 28 مايو(أيار) من عام 2010 رحل كاتب وسيناريست من أعمدة الدراما المصرية والعربية في القرن العشرين، هو المبدع أسامة أنور عكاشة، وقد تميزت أعماله بتناولها العميق للقضايا الاجتماعية والسياسية، مما جعله يحظى بمكانة مرموقة في قلوب الجمهور والنقاد على حد سواء.

وُلد عكاشة في 27 يوليو 1941 في مدينة طنطا بمحافظة الغربية، وتوفيت والدته وهو في سن السادسة، مما أثر على شخصيته وأعماله لاحقًا، حصل على ليسانس الآداب في قسم الدراسات النفسية والاجتماعية من جامعة عين شمس عام 1962. وفي بداية حياته عمل كأخصائي اجتماعي ومدرس، ثم انتقل للعمل في إدارة العلاقات العامة بمحافظة كفر الشيخ، وأخيرًا في رعاية الشباب بجامعة الأزهر حتى عام 1982، حيث قرر التفرغ للكتابة والتأليف.

ساهم في تطوير الدراما التلفزيونية في مصر، وقدم العديد من المسلسلات التي أصبحت علامات فارقة في تاريخ الفن العربي، منها: “ليالي الحلمية” وهو مسلسل ملحمي تناول التغيرات الاجتماعية والسياسية في مصر، من عصر الملك فاروق حتى التسعينيات، وضم نخبة من النجوم مثل يحيى الفخراني وصفية العمري وصلاح السعدني، أيضا مسلسل “الشهد والدموع” الذي اشتمل على قصة درامية عن الظلم والميراث، جسد فيها يوسف شعبان دور الأخ الذي يستولي على حق أخيه، مما يؤدي إلى مأساة عائلية، ومسلسل “أرابيسك” الذي تناول حياة الحرفيين في القاهرة القديمة، مسلطًا الضوء على الصراعات الاجتماعية والاقتصادية، كما قدم أيضا مسلسل “ضمير أبله حكمت” وكان أول عمل تلفزيوني لسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، تناول قضايا التعليم والفساد الإداري، ومسلسل” رحلة السيد أبو العلا البشري” وفيه تناول قصة رجل مثالي يسعى لإصلاح المجتمع من حوله.

وكتب عكاشة عدة أفلام سينمائية، منها “كتيبة الإعدام” و ” تحت الصفر” و “الهجامة” و”دماء على الاسفلت”، و”الطعم والسنارة”، وبالإضافة إلى السيناريوهات، كتب روايات ومجموعات قصصية، منها: بره الدنيا، أحلام في برج بابل، منخفض الهند الموسمي ، ووهج الصيف، و سوناتا لتشرين، وغيرها، كما كان معروفًا بآرائه الجريئة، حيث دعا إلى حل جامعة الدول العربية واستبدالها بمنظومة تعاون اقتصادي بين الدول الناطقة بالعربية، كما انتقد التطرف الديني والجماعات المتطرفة، وأثار جدلاً بتصريحاته حول بعض الشخصيات التاريخية، مما أدى إلى نقاشات واسعة في الأوساط الدينية والثقافية .

تزوج عكاشة مرتين، وكانت زوجته الثانية الفنانة عبير منير، وأنجب ابنته نسرين، التي تعمل مذيعة في الراديو، وابنه هشام، الذي عمل في مجال الإخراج.

عكاشة لم يكن مجرد كاتب درامي، بل كان مثقفا عبّرت أعماله عن وعيه الطبقي، رؤيته الإصلاحية، وغوصه في أعماق النفس والمجتمع المصري، ومن أهم العوامل التي ساهمت في تشكيل ثقافته وموهبته، البيئة الاجتماعية والنشأة الريفية، فقد وُلد في طنطا ونشأ في كنف عائلة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، وهي الطبقة التي شكّلت لاحقًا “بطله الدرامي” المفضّل، ولا شك أن رحيل والدته وهو في سن مبكرة، أثّر عليه نفسيًا وخلّف أثرًا عاطفيًا يتردد صداه في أعماله، خاصة في رسمه لشخصيات نسائية قوية، ومتشابكة وجدانيًا.

وتعكس بعض أعماله مدى تأثره بمجال دراسته الأكاديمية في علم النفس والاجتماع، فقد حصل على ليسانس الآداب قسم الدراسات النفسية والاجتماعية من جامعة عين شمس، وهذه الخلفية العلمية مكّنته من رسم شخصيات شديدة العمق، ذات أبعاد نفسية .

ولا شك أن عمله في التربية والتعليم والرعاية الشبابية، والإرشاد التربوي والاجتماعي، جعله قريبًا من الناس، خصوصًا من فئات الشباب والطبقات المهمّشة، فهذه التجربة جعلته قادرًا على محاكاة اللغة اليومية للمصريين .

وكان عكاشة واسع الاطلاع على الأدب العربي والعالمي، وكان قارئًا نهمًا للرواية الكلاسيكية العربية والعالمية، وظهر تأثره الواضح بكتاب مثل: نجيب محفوظ و دوستويفسكي وطه حسين والعقاد كما كان الاحتكاك المباشر بالمشهد الثقافي والسياسي، فقد عاش في قلب القاهرة، واحتكَّ بالنخبة المثقفة، وكتب في الصحف والمجلات.

وكان لديه رؤية سياسية وموقفًا نقديًا من السلطة، ومن الأطر الفكرية التقليدية، وتبنّى خطابًا ضد الطائفية والانغلاق، وفي مجال الاعلام كتب عكاشة في الصحافة الثقافية، كما كتب المسرح والرواية، وهذه الأنواع الأدبية صقلت أدواته في الكتابة التلفزيونية، واتسمت كتابته في الاقتصاد بالحوار والتكثيف، مما أعطى الدراما التي كتبها طابعًا سينمائيًا وفنيًا متميزًا، وكان مؤمنًا بأن الدراما قادرة على إصلاح المجتمع، فتناول قضايا مثل الهوية الوطنية، والتفاوت الطبقي، وسلطة المال والدين، والقمع والميراث، والتعليم والصحية، وغيرها.

لقد كانت موهبة أسامة أنور عكاشة ليست وليدة عبقرية فقط، بل هي حصيلة نشأة إنسانية مؤلمة، وتعليم اجتماعي عميق، واحتكاك مباشر بالواقع المصري، ومشروع فكري وطني واضح المعالم، لذلك، ظل صوته حاضرًا حتى بعد رحيله، لأنه لم يكتب لموسم، بل كتب لوجدان وطن.

وجدت اعمال عكاشة اهتمامًا نقديًا واسعًا، واعتُبرت تحولًا مفصليًا في مسار الدراما المصرية والعربية، وقد أجمع كثير من النقاد على أنه كان كاتبًا مثقفًا ومشروعًا وطنيًا متكاملًا، لا مجرد مؤلف درامي، وردوا له الفضل بنقل الدراما من التسلية إلى قضايا المجتمع والهوية، فقد تميزت أعماله بالغوص في الواقع المصري بجوانبه السياسية والاجتماعية والثقافية، من خلال شخصيات حقيقية، تنتمي للطبقة الوسطى والمهمّشين، أيضا أشادوا بنجاحه في تحويل الشاشة الصغيرة إلى مرآة فكرية وفلسفية تعكس وجع المجتمع، لا مجرد وسيلة لقتل الوقت، لافتين إلى قدرته النادرة على بناء شخصيات متعددة الأبعاد، إنسانية جدًا، يعيشها الجمهور كأنها من لحم ودم، كما رأى كثير من النقاد أنه أسس مدرسة خاصة به في الكتابة، تمتاز بالعمق، والبناء الطبقي للأحداث، والرمزية الهادئة، معتبرين اسمه مرادفًا لـلدراما ذات الضمير، التي تحترم عقل ووجدان المشاهد، وتُعيد تعريف العلاقة بين الفن والواقع.

رحم الله أسامة أنور عكاشة الذي توفي عن عمر يناهز 68 عامًا، بعد صراع مع المرض، تاركًا وراءه إرثًا فنيًا وثقافيًا غنيًا استمر في التأثير على الأجيال الجديدة من الكتاب والمشاهدين.24

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى