أخبار عدن

برئاسة القاضي: سامي باعباد: محكمة الأموال العامة تقضي باسترداد آثار يمنية مهربة وتوجه ندأ لحماية التاريخ والهويةالوطنية

عدن-عدن اوبزيرفر:

في خطوة تهدف إلى حماية المال العام والحفاظ على الهوية الوطنية، أصدرت محكمة الأموال العامة في عدن، اليوم الأحد، حكمًا قضائيًا في القضية رقم (93 لسنة 1446هـ) برئاسة القاضي الدكتور سامي أحمد باعباد، رئيس المحكمة، وبحضور أمين سر المحكمة هناء محمد دبان، وذلك في دعوى مرفوعة من النيابة العامة ضد كل من وزارة الخارجية، وزارة الثقافة والسياحة، والهيئة العامة للآثار والمتاحف، بشأن استرداد قطع أثرية يمنية مهربة إلى الخارج.

وتضمن الحكم القضائي إقرارًا بثبوت ملكية الجمهورية اليمنية لتلك الآثار التي تم تهريبها والمتاجرة بها في دول مثل بريطانيا، فرنسا، إسبانيا، وسويسرا، حيث استعرضت المحكمة الأدلة المقدمة، والتقارير الفنية من خبراء الآثار، إضافة إلى ما تنص عليه الاتفاقيات الدولية وقانون الآثار اليمني.

وفي حيثيات حكمها، وجهت المحكمة رسالة الى كل ذي ضمير حي تؤكد فيه إنّ الآثار اليمنية بما فيها محل هذا الحكم ليست مجرّد حجارةٍ صامتة، بل هي شواهد ناطقة على حضارةٍ عريقةٍ صنعها الأجداد في كل من حضرموت وقتبان ومعين وأوسان وسبأ وحمير، وتوارثها أبناؤهم أمانةً في أعناقهم، وهي تمثّل جزءًا لا يتجزأ من الذاكرة التاريخية والهوية الوطنية، وملكًا عامًا لا يحق لأحد العبث به أو التصرف فيه دون وجه حق. وما يُرتكب بحقها من تهريب أو اتجار، لا يُعد فقط مخالفةً قانونيةً بل خيانةً ثقافيةً وأخلاقيةً تستوجب الحزم والمساءلة إذ أنها قد سميت بعض من سور القرآن الكريم كالاحقاف وسبأ تخليدا لهذا التاريخ العظيم.

وقد أشار القرآن الكريم إلى البلد في مواضع عدّة، منها قوله تعالى في سورة الأحقاف: {واذكر أخا عادٍ إذ أنذر قومه بالأحقاف}، وهي أرض حضرموت كانت مهدًا لدعوة نبي من أنبياء الله، دلالةً على أن هذه الأرض حاملة لرسالاتٍ سماوية وتاريخٍ موغلٍ العظمة، يستحق الاحترام لا النهب، والصون لا الطمس. وليس أعظم من أن يخلّد الله ذكر منطقةٍ جغرافية باسمها في كتابه العزيز،وما ذلك إلا إشارة إلى أهميتها ومكانتها في ميزان الرسالة والتاريخ.

إن الله عز وجل حين قصّ علينا أخبار الأمم الماضية في كتابه الكريم ، لم يفعل ذلك لمجرد السرد، بل للعبرة والاعتبار، فقال تعالى : {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب}. وإنّ الآثار، بما فيها من معالم وشواهد، هي أداة تذكير حية بقصص أولئك الأقوام، ومجال حيٌّ للتدبر والتفكر في سنن الله في خلقه. كيف نُفرّط بها أو نتاجر بها، وقد أمرنا الله تعالى بالتأمل في مصير من سبقنا؟ أليس من الجحود أن نهرب الآثار، ونحن نقرأ قوله تعالى: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل}.

ولم يغفل النبي صلى الله عليه وسلم في سنته أهمية الروابط الحضارية، فقد قال: «الناس معادن، كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا»، فكيف نرضى أن نفرّط في معادننا الحضارية؟ أليست هذه الآثار هي الذهب الفكري والروحي الذي ورثناه من خيار البشرية الذين أقاموا الحضارات الأولى على هذه الأرض المباركة.

ومن منطلق الشرع والقانون، فإن تهريب الآثار جريمة مزدوجة: خرقٌ لقوانين الدولة، واعتداءٌ على موروث الأمة. ومن هنا، فإن المحكمة، وهي تنظر في هذه القضايا، لا ترى فيها مجرد تجاوز عابر، بل عبثًا بهوية الوطن وسمعته، يستوجب أقصى درجات الردع والجزاء، حفاظًا على كرامة الوطن وتاريخه.

وإننا من منصة القضاء، نوجّه نداءً صريحًا إلى الجهات المختصة والمواطنين على حدٍّ سواء: أن يقوموا بمسؤولياتهم في حماية هذا الإرث العظيم، وأن يتكاتفوا لحراسة تاريخ اليمن من العبث والضياع.. فالآثار أمانة، ومن فرّط فيها فقد فرّط بجذوره، ومن فرط بأصله فلا أصل له و خان وطنه ودينه وتاريخه.

كما نؤكد أن حماية الآثار واجب ديني و شرعي، يتسق مع مقاصد الشريعة في حفظ الضروريات الخمس، ومنها حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، إذ إن هذه الآثار تمثل ثروة وطنية وعقلية وهوية روحية للأمة.. فتهريبها إهدار لهذا المقصد، وطمسٌ لمعالم تُعين الأجيال على فهم دينها وتاريخها وسنن الله في الأرض.

وأخيرًا، فإن المحكمة، وهي تصدر هذا الحكم، لا تقوم بذلك من باب المحاسبة فقط، بل من باب أداء الأمانة والنصح للأمة.. إننا نحكم لنحمي، وننطق باسم الشرع والقانون لنصون ما لا يُقدّر بثمن. فليكن هذا الحكم نذيرًا لمن تسوّل له نفسه المساس بمقدسات الوطن، ودعوة صادقة لكل مؤمن بهذه الأرض، أن يكون في موقع الحارس الأمين لتراث اليمن العظيم.

فيما يلي منطوق الحكم:
أولا: قبول الدعوى المقدمة من النيابة العامة والمقيدة بسجلات هذه المحكمة برقم 93 لسنة 1446 هجرية شكلاً لتقديمها وفق الاجراءات القانون الصحيحة.
ثانياً: ثبوت ملكية الجمهورية اليمنية بالدليل الشرعي والقانوني لكل القطع الأثرية المفصل بيانها بحيثيات هذا الحكم المضبوطة والموجودة في كل من أسبانيا وبريطانيا وفرنسا وسويسرا.
ثالثاً: إلزام كل من وزارة الخارجية والهيئة العامة للآثار والمتاحف ووزارة الثقافة والسياحة باسترداد وإعادة كل القطع الأثرية اليمنية الوارد تفصيلها في ثنايا هذا الحكم المضبوطة والموجودة في الدول المذكورة أعلاه وذلك بالتنسيق بينهم وفق الدور القانوني المناط بكل جهة وتسليمها للهيئة العامة للآثار والمتاحف في العاصمة عدن لتتولى حفظها في متاحف العاصمة عدن والعمل على صيانتها والحفاظ عليها وفق القانون وعلى النيابة العامة متابعة تنفيذ ذلك.
رابعاً: إلزام الهيئة العامة للآثار والمتاحف بالعمل على تحديث قاعدة بيانات الآثار اليمنية لديها وإعداد النشرات اللازمة لبيان الآثار اليمنية المفقودة أثناء فترة الحرب والمهربة إلى خارج الوطن وتعميم ذلك بالمواقع الرسمية.
خامساً: ينشر هذا الحكم بحيثياته ومنطوقه في كل وسائل الإعلام وذلك لنشر الوعي المجتمعي بأهمية الآثار اليمنية لما عللناه بالحيثيات.
سادساً: شمولية هذا الحكم بالنفاذ المعجل .
سابعاً: إعادة ملف القضية إلى النيابة العامة للتصرف وفقاً للقانون.

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى