عُرَاةٌ وَإِنِ اكْتَسَوا !!

مَتَى يُدْرِكُ الخُبرَةُ ؟!! أَنَّ سَرْدِيَّاتِهِمُ الَّتِي تَبْدَأُ بِـ”اِلْتَقَى” وَ”زَارَ ” وَ”نَاقَشَ” وَ” اِطَّلَعَ ” وَ” دَارَ حِوَارٌ عَمِيقٌ “.. لَمْ تَعُدْ تَعْنِي لَنَا شَيْئًا؟ أَنَّ أَنْبَاءَهُمْ بَاتَتْ تُصِيبُنَا بِالْغَثَيَانِ، وَأَنَّنَا لَمْ نَعُدْ نُتَابِعُهَا إِلَّا مُكْرَهِينَ، لِنَتَأَكَّدَ أَنَّهُمْ مَا زَالُوا يَحْتَقِرُونَ مَعَانَاتَنَا وَيُوَاصِلُونَ الرَّقْصَ فَوْقَ جِرَاحِنَا الْمُفْتَرَشَةِ؟!
نَعَمْ، نَحْنُ الشَّعْبُ…
الَّذِينَ نُسْحَقُ كُلَّ يَوْمٍ! نَسْمَعُ كُلَّ صَبَاحٍ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ : “اِجْتَمَعَ ، نَاقَشَ، وَجَّهَ، أَقَرَّ، أَصْدَرَ، دَعَا إِلَى اِجْتِمَاعٍ عَاجِلٍ”! وَنَذْهَبُ إِلَى النَّوْمِ جَائِعِينَ، مُحْبَطِينَ، مُنْهَكِينَ مِنْ حَفَلَاتِ النِّفَاقِ السِّيَاسِيِّ الْمُسْتَمِرَّةِ مُنْذُ سِنِينَ! دُونَ نَفْعٍ أَوْ طَائِلٍ.
يَا سَاسَةَ الْبِلَادِ: كُفَانَا مُؤْتَمَرَاتِكُمُ الصَّحَفِيَّةَ! كُفَانَا صُوَرَكُمْ خَلْفَ الطَّاوِلَاتِ الْعَرِيضَةِ، تَتَبَادَلُونَ الِابْتِسَامَاتِ كَأَنَّ الْوَطَنَ بِخَيْرٍ!
كُفَانَا تَقَارِيرَ مُلَوَّنَةً عَنِ “النَّجَاحَاتِ “، وَالْكَهْرَبَاءُ مَقْطُوعَةٌ، وَالْمَاءُ شِبْهُ مُنْقَطِعٍ، وَالدَّوَاءُ مَفْقُودٌ، وَالتَّعْلِيمُ مَجَرَّدُ صَدًى فِي خَرَابٍ وَطَنِيٍّ.
أَقُولُهَا لَكُمْ بِكُلِّ صَرَاحَةٍ: شَبِعْنَا مِنْ كَلِمَاتِكُمْ، كَمَا شَبِعَ الْمَيِّتُ مِنَ الْعَزَاءِ!
يَا وُلَاةَ الْبِلَادِ الْمُمَزَّقَةِ… إِنَّ الشَّعْبَ الَّذِي كُنْتُمْ تَحْكُمُونَهُ قَدْ تَغَيَّرَ.
لَمْ يَعُدْ ذَاكَ الَّذِي كَانَ قَبْلَ أَعْوَامٍ ! لَمْ يَعُدْ يُهَلِّلُ لِإِنْجَازَاتٍ مِنْ وَرَقٍ، وَلَا يَعْتَرِفُ بِجَاهٍ لَا يُطْعِمُ أَوْلَادَهُ، وَلَا يُهِمُّهُ كَمْ مَرَّةً اِلْتَقَيْتُمْ بِفُلَانٍ، وَلَا مَتَى زَارَكُمْ سَفِيرُ عَلَانٍ… فَالشَّعْبُ الْيَوْمَ يُرِيدُ خُبْزًا ، لَا حِبْرًا !
مَنْ يُخْبِر هَؤُلَاءِ يَا سَادَةَ: أَنَّ أَخْبَارَهُمْ لَنْ تُغَيِّرَ فِي قُلُوبِنَا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنَ السَّخَطِ نَحْوَهُمْ؟!
لِأَنَّنَا نَعْلَمُ لِقَاءَاتِهِمْ وَسَفَرِيَّاتِهِمْ وَنِقَاشَاتِهِمُ الَّتِي لَا تَتَجَاوَزُ سَقْفَ الِاسْتِدَانَةِ وَالشِّحَّةِ وَالتَّوَسُّلِ بِاسْمِنَا وَاسْمِ مَعَانَاتِنَا الَّتِي هُمْ سَبَبُهَا وَدِيدَنُهَا وَالْمُسْتَفِيدُونَ مِنْهَا! .
فَلْيَكُونُوا عَلَى ثِقَةٍ: إِنَّنَا سَنَظَلُّ، فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، نَبْصُقُ عَلَى صُوَرِهِمْ، وَنَلْعَنُ أَخْبَارَهُمْ، وَنَحْتَقِرُ بَيَانَاتِهِمُ الرَّنَّانَةَ الَّتِي لَا تُطْعِمُ جَائِعًا وَلَا تُدَاوِي جُرْحًا!
يَا إِخْوَةَ: مَنْ يُخْبِرْ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْوَضْعَ فِي الْبِلَادِ قَدْ بَلَغَ مِنَ الِانْهِيَارِ حَدَّ التَّقَيُّؤِ مِنْ مَجَرَّدِ ذِكْرِ أَسْمَائِهِمْ؟ مَنْ يَنْقُلْ إِلَيْهِمْ أَنَّنَا نَرَى فِي وُجُوهِهِمْ قُبْحَ الْخَرَابِ، وَفِي خِطَابَاتِهِمْ سُمَّ الْإِهَانَةِ؟
مَنْ يُشَرِّحْ لِلرُّؤَسَاءِ الثَّمَانِيَةِ، وَلِلْأَحْزَابِ، وَلِلْأَذْنَابِ، وَلِلْأَطْرَافِ الَّتِي تَتَّفِقُ ظَاهِرًا وَتَتَنَاحَرُ بَاطِنًا: أَنَّ هَذَا الشَّعْبَ قَدْ شَرِبَ حَتَّى الثَّمَالة مِنْ مَرَارَةِ كَذِبِهِمْ وَفَسَادِهِمْ؟!
أَخْبِرُوهُمْ: إِنَّنَا كُلَّمَا تَصَفَّحْنَا أَخْبَارَ يَوْمِنَا الْبَائِسِ، لَا نَرَى إِلَّا قَادَةً وَمَسْؤُولِينَ عُرَاةً ، يَتَقَافَزُونَ أَمَامَنَا بِكَرَفْتَاتِهِمُ الزَّرْقَاءِ وَبُدَلِهِمُ الرَّسْمِيَّةِ، كَأَنَّهَا أَوْرَاقُ تُوتٍ تُحَاوِلُ عَبَثًا سَتْرَ فَضَائِحِهِمْ!
أَخْبِرُوهُمْ: أَنَّ لَا عِقَالُ الْقَبِيلَةِ، وَلَا بُزَّاتُ الْعَسْكَرِ، وَلَا الْمَعَاوِزُ الْمُزَرْكَشَةُ، وَلَا شُمَاغُ الزَّيْفِ، قَادِرَةٌ عَلَى أَنْ تُغَطِّيَ عَوْرَةَ الْخِيَانَةِ الْوَطَنِيَّةِ الَّتِي اِرْتَكَبُوهَا بِحَقِّ وَطَنِهِمْ وَشَعْبِهِمُ الْيَوْمَ!
أَنَّ النَّاسَ لَا تَبْحَثُ عَنْ خُطَبٍ وَشِعَارَاتٍ وَمَنَاصِبَ وَهْمِيَّةٍ.
الشَّعْبُ يَحْلُمُ بِرَاتِبٍ لَا يُسْرَقُ، بِفَاتُورَةِ كَهْرَبَاءٍ لَا يكْتوِي قَلْبَهُ قَبْلَ جَيْبِهِ، بِطَبِيبٍ لا يَسْأَلُهُ: “كَمْ مَعَكَ؟” قَبْلَ أَنْ يَلْمِسَ نَبْضَهُ،
بِمُعَلِّمٍ لَا يَمْسَحُ الطَّبَاشِيرَ بِدَمْعِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُصْرَفْ لَهُ رَاتِبٌ مُنْذُ أَشْهُرٍ ! .
وَعُمْلَةٍ مُسْتَقِرَّةٍ لَا تَلْعَبُ بِأَوْجَاعِهِ! هَذِهِ وَحْدَهَا أَصْبَحَتْ بُوصَلَةَ الْمُوَاطِنِ، وَمِفْتَاحَ كَسْبِ ثِقَتِهِ وَاحْتِرَامِهِ.
مَنْ يَأْتِ بِهَا، وَلَوْ كَانَ مِنَ الْعَالَمِ الْآخَرِ، سَيَظْفَرُ بِمَحَبَّةِ النَّاسِ وَتَعْظِيمِهِمْ.
أَمَّا مَنْ يَأْتِي بِالْبَسط وَالتَّجْنِيدِ وَالتَّوَسُّعِ وَالسَّيْطَرَةِ ، وَاِخْتِلَاقِ الْعَدَاوَاتِ الْوَهْمِيَّةِ، وَمَنْ يَزُورُ الْوَطَنَ بَعْدَ أَشْهُرٍ لِيُنْجِزَ لَنَا صُوَرًا فَاخِرَةً لَهُ، وَهُوَ يَتَجَوَّلُ أَوْ يَجْتَمِعُ أَوْ يُنَاقِشُ، فَلَنْ يَجِدَ فِينَا إِلَّا الرَّفْضَ!
شَبِعْنَا مِنَ الْحَرْبِ وَالدَّمَارِ، مِنَ الْكَذِبِ وَالتَّزْيِيفِ بِاسْمِ الْوَطَنِ، وَمِنْ أَوْهَامِ ‘ السِّيَادَةِ ” الَّتِي لَا تَبْنِي وَطَنًا، وَلَا تَحْمِي كَرَامَةً، وَلَا تَصْنَعُ حَيَاةً!
أَتَعْرِفُونَ كَمْ صَبَرَ هَذَا الشَّعْبُ؟! صَبَرَ عَشْرَ سِنِينَ ، وَهُوَ يَبْلَعُ الْأَلَمَ، وَيُضَمِّدُ الْجُرْحَ بِمِلْحِ الرُّجُولَةِ وَالْكَرَامَةِ! ثُمَّ تَقِفُونَ أَنْتُمْ عَلَى أَطْلَالِهِ ، تَنْظُرُونَ إِلَيْهِ كَأَنَّكُمْ صَنَعْتُمْ لَهُ مَعْرُوفًا بِأَنْ تَرَكْتُمُوهُ يَتَنَفَّسُ!
لَكِنَّ الْحَقِيقَةَ الْجَارِحَةَ هِيَ: “إِنَّكُمْ سَبَبُ مَا نَحْنُ فِيهِ… لَا غَيْرَكُمْ “.
كُلُّكُمْ، مِنْ صَنَعَاءَ حَتَّى عَدَنَ، مِنْ صَعْدَةَ حَتَّى الْمَهْرَةَ: وَجْهَانِ لِنَفْسِ السِّكِّينِ!
مَنْ يَقْتُلُنَا بِاسْمِ الْوِلَايَةِ وَالطَّائِفَةِ، وَمَنْ يَقْتُلُنَا بِالتَّجْوِيعِ وَالْوَهْمِ، وَمَنْ يَقْتُلُنَا بِالْفَسَادِ! أَنْتُمْ جَمِيعًا أَبْنَاءُ عَشِيرَةٍ وَاحِدَةٍ:
عَشِيرَةِ الْجَشَعِ ، وَالْكَذِبِ ، وَالْأَنَانِيَّةِ !
تَحْكُمُونَ بَلَدًا لَا تُصَنِّعُونَ فِيهِ سِوَى الْمَجَالِسِ وَاللِّجَانِ ،
وَلَا تُنْجِزُونَ إِلَّا فِي حِسَابَاتِكُمُ الْبَنْكِيَّةِ! وَلَا تَعْرِفُونَ مِنَ الْوَطَنِ إِلَّا مَا كَتَبَتْهُ لَكُمْ بُنُودُ الِاتِّفَاقَاتِ الْخَارِجِيَّةِ!
مَتَى تُدْرِكُونَ أَنَّ الْوَطَنَ لَمْ يَعُدْ لَكُمْ، وَلَا قُلُوبَ النَّاسِ، وَلَا دُعَاءَ الْأُمَّهَاتِ، وَلَا حَتَّى لَعَنَاتِ الْأَطْفَالِ؟! لَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي نَظَرِنَا شَيْئًا وَاحِدًا فَقَطْ: “عِبْءٌ يَجِبُ أَنْ يُزَاحَ “.
لَا جَدِيدَ يُرْتَجَى مِنْكُمْ! إِنْجَازُكُمُ الْوَحِيدُ هُوَ الْخَرَابُ وَالضِّيَاعُ! وَلَيْسَ لَكُمْ فِي إِيَاذِينَا غَيْرُ صُورَةٍ وَاحِدَةٍ تُجَسِّدُكُمْ: أَنْتُمْ تَفْتَكُونَ بِكُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى بِسُمْعَتِكُمْ! حَتَّى بِتَارِيخِكُمْ! حَتَّى بِمَا تَبَقَّى مِنَ الْوَطَنِ الَّذِي تَأْكُلُونَهُ حَيًّا كَجِيفَةٍ مُلْقَاةٍ فِي مَائِدَةِ صِرَاعَاتِكُمْ!
عَشْرُ سِنِينَ كَانَتْ كَافِيَةً لِفَهْمِ أَنَّ مَنَاطِقَنَا لَمْ تَعُدْ “مُحَرَّرَةً ” كَمَا تُدَّعُونَ زُورًا وَمُكَابَرَةً ، وَنَحْسِبُهَا جَهْلًا وَحَمَاقَةً ! بَلْ هِيَ مَحْتَلَّةٌ بِوُجُوهٍ مَحَلِّيَّةٍ! كَيْفَ لَا، وَأَنْتُمْ فِيهَا كَالْجَاثُومِ الْجَاثِمِ عَلَى صُدُورِنَا وَخَيْرَاتِنَا؟!
الشَّعْبُ لَمْ يَعُدْ يَسْأَلُ: “مَاذَا فَعَلُوا؟”
بَلْ صَارَ يَتَسَاءَلُ كُلَّ يَوْمٍ: “مَتَى نَتَخَلَّصُ مِنْ هَذَه الْهَوامير الْفَاسِدِة ؟! ”
كَفَى عَبَثًا بِنَا! فَنَحْنُ نَعْرِفُكُمْ أَكْثَرَ مِمَّا تَعْرِفُونَ أَنْفُسَكُمْ! نَقْرَأُ وُجُوهَكُمْ كَمَا تُقْرَأُ أَوْرَاقُ التُّوتِ الْيَابِسَةِ: بِلَا حَيَاةٍ، بِلَا خَجَلٍ، بِلَا ظِلٍّ!
وَإِنْ أَنْصَتُّمْ جَيِّدًا لِصَوْتِ الشَّارِعِ، فَسَتَسْمَعُونَ صَيْحَةً تُشْبِهُ الْبَرْقَ فِي لَيْلٍ خَائِنٍ:
“خِتَامًا أَقُولُ لَكُمْ، وَلِتَعُوهَا جَيِّدًا:
مَنْ لَا يَبْنِي وَطَنًا..
لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَبْقَى فِيهِ!” ..
كامل محمد علي



