كتاب عدن

الثورة بين الحلم والخذلان



حين تُختطف الثورات، يُسلب التاريخ من جذوره، ويُغتال الغد قبل أن يُولد، وتُخنق الأحلام وهي في مهد الرجاء. تُمحى الذاكرة، ويُخمد وهج الأمل، ويُقاد الوطن، مغمض العينين، إلى مسالخ الخديعة على أيدي من لبسوا ثياب الحُماة، وهم في باطنهم صُنّاع الخراب.
فالثورات ليست ومضة غضبٍ عابرة، ولا صرخة جياع في ليلٍ بهيم، بل هي وعدُ شعبٍ بالحياة، ووثيقة عشقٍ بين الأرض وأبنائها، لا يكتبها إلا الشجعان، ولا يصونها إلا الأمناء. فحين يغيب الأمناء، وتُترك الأمانة على قارعة الطريق، تصبح الثورة نهبًا لكل متربّص، وغنيمةً سائغةً للذئاب التي ترتدي عباءات الوطنية.
ثورة بلا حراسٍ من ضمير، ولا عيونٍ ساهرة من وعي، كقافلةٍ تسير في صحراء التيه بلا دليل.
وحين تُسرق الثورات، يستيقظ الشعب ذات صباحٍ على أطلال حلمه، فيجد أن التضحيات قد ذهبت أدراج الرياح، وأن الدماء الطاهرة التي روت تراب الوطن، لم تُنبت شجرة حرية، بل أزهرت شوكًا من القهر، وسُمًّا من الخيانة.
فالثورة التي لا تبلغ غايتها، كالسحاب الذي يمضي دون أن يسقي زرعًا، وكالنبض الذي يتوقف قبل أن يكتمل الحلم.
الثورة أمانة، لا أداة انتقام؛ رسالة، لا مطية للمصالح؛ نور، لا شرارة عبث.
إنها حياة جديدة تُولد من رحم المعاناة، تُنجز عقدًا اجتماعيًا عادلًا، يضمن للفقراء عيشًا كريمًا، وللتجار صيانةً لأموالهم، ولطلاب العلم المجتهدين فرصًا متكافئة، لا يُقصى فيها الكفء، ولا يُكافأ فيها الولاء الأعمى.
الثورة مساواة في الحقوق والواجبات، وشراكةٌ اجتماعية بين كل أطياف المجتمع، لا إقصاء فيها ولا تفرُّد، لا استئثار ولا تهميش، بل بناءٌ جماعي يقوم على المشاركة والتكامل.
هي سعيٌ نحو وطنٍ يتسع للجميع، ويتطهر من قاموس التخوين، ويتعالى على لغة المؤامرة والاستحواذ.
وحين يُطفأ نور الثورة في منتصف الطريق، يخفت صوت الحقيقة، ويعلو ضجيج الزيف، ويتحول الوطن إلى مسرحٍ كبير، تتبادل فيه الوجوه الأقنعة، ويصفق الجمهور المنهك لكل مشهدٍ، ظنًّا منه أن النهاية باتت قريبة.
فلا حرية تُنتزع بلا وعي، ولا عدالة تُولد من رحم الفوضى، ولا كرامة تُبنى على أنقاض الخيانة.
فلنحرس ثوراتنا بعيونٍ من فكر، وقلوبٍ من إخلاص، وأيادٍ لا ترتجف أمام عواصف الطمع. فالثورات ليست لحظة في دفتر التاريخ، بل شجرة حياة، لا تنمو إلا في تربة من الوفاء، ولا تزهر إلا بسواعد الحراس الصادقين.

د. عادل السريحي
كلية الضالع الجامعية
.

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى