هموم المُثقَّفين!

حبيبة محمدي:
إنَّ همومَ المُثقَّفِ فى وطنِنا العربىّ، هى همومُ وطنِه وأُمَّتِه، وأتصوَّرُ أنَّ المُثقَّفَ الحقيقىَّ، هو الذى ينخرطُ فى واقعِ وحياةِ وأفكارِ مجتمعِه وشعبِه، ولا يعيشُ فى البرجِ العاجىّ!!
فى كتابِه (دفاعٌ عن المُثقَّفين)، للفيلسوفِ الفرنسى «جون بول سارتر»،«Jean-Paul Sartre»، والذى قامَ بنقلِه إلى اللغةِ العربيةِ، المترجمُ الكبيرُ الراحلُ الدكتور «جورج طرابيشى»، يطرحُ «سارتر»، مجموعةً من الأسئلةِ الهامةِ والجذريةِ، وهو الفيلسوفُ، أنموذجُ المُثقَّفِ «المُنخرطِ»، بكاملِ إرادتِه وحرّيتِه، فى قضايا المجتمعِ وإشكالياتِه!
وبعد أنْ تساءلَ «سارتر»: ما الأدبُ؟ وما الالتزام؟! وما وظيفةُ الأدبِ الملتزمِ؟، وغيرها من الأسئلةِ، يواصلُ طرحَه الفلسفى،:
ما المُثقَّفُ؟ أو مَنْ هو؟ وما هو دورُه الحقيقىّ؟ وأسئلة أخرى!.
أتصوّرُ أنَّ المُثقَّفَ ملتزمٌ – حقًا- بهمومِ مجتمعِه، وطنِه بل وأُمَّتِه، لأنَّه أكثرُ مَنْ يملكُ القدرةَ على فهمِ الواقعِ والتحليلِ والتأمّلِ والاستشراف، فـ«سارتر»، يقدّمُ رؤيةً لمُثقَّفٍ كبيرٍ، وملتزمٍ، ورافضٍ للتدجينِ!
لا يمكنُ أنْ نُخفى بأنَّ هناك علاقةً مُعقَّدةً بين الثقافةِ والمُثقَّفِ، تُغذِّيها، أحيانًا، الصراعاتُ التى تشنُّها الهوّيةُ والإيديولوجياتُ المُجتمعيةُ، وربّما، كانَ أحدُّ أوجهِ دورِ المُثقَّفِ، هو محاولةُ فكِ مثلِ هذه الاشتباكات، وأخرى…
وما هذا المؤلَفُ للفيلسوفِ والمُثقَّفِ «سارتر» إلاَّ محاولة فى هذا السياقِ!
لا أتصوَّرُ أنْ يشاهدَ شاعرٌ عربىٌّ ما يحدثُ لأطفالِ «غزة» وشعبِها المظلومِ، ولا يتأثرُ!! ولا أنْ يعيشَ المُثقَّفُ العربىُّ، الأوضاعَ التى تعرفُها المنطقةُ، والتحوّلاتِ والتغيُّراتِ، التى يعيشُها العالَمُ، والأخطارَ التى يعجُّ بها، ولا يتأثرُ!! قد لا يكونُ ذلك، من قَبيلِ الالتزامِ الأخلاقى أو الأدبى، بالضرورة، بل على الأقلِّ، لأنَّه إنسانٌ، بالدرجةِ الأولى، ومواطنٌ، أيضًا، يتأثرُ بما ومَن حوله!!.
إنَّ «سارتر» يرفضُ (فكرةَ المُثقَّفِ الذى ينفصلُ عن الواقعِ الإجتماعى والسياسى، ويعتبرُ فكرَه مجرّدَ رفاهيةٍ ثقافيةٍ، ويدعوه إلى أنْ يكونَ «ضميرًا مستنيرًا»)، كما يرفضُ المُثقَّفَ المُحايدَ، لأنَّ المُثقَّفَ، ملتزمٌ بقضايا مجتمعِه، حيث يجبُ أن يكونَ رجلَ معرفةٍ عمليةٍ، المُثقَّفُ ليسَ كائنًا فوقيًا، هو إنسانٌ عادى، متواضعٌ، أو هكذا يجبُ أن يكونَ، ويرفضُ أن ينعزلَ عن القضايا الإنسانيةِ فى مجتمعِه.
«سارتر» المثيرُ، دائمًا، للجدلِ الفكرى والفلسفى، قد نتقبَّلُ أفكارَه أو نرفضُها، لكنَّه يُلقى، دائمًا، الحجَرَ فى المياهِ الراكدةِ، وعلى السبَّاحين الماهِرين، العقلاءِ والمُفكرين، فى العالَمِ كلِّه، وفى عالَمِنا العربىّ!، عليهم، السباحةُ الجيّدةُ والمفيدةُ لمجتمعاتِهم، حتى لو كانتْ عكسَ التيارِ!!.المصري اليوم



