تقارير

الضالع تستحضر مناضلها البطل اللواء سيف حمود الشيخ:



كم كنا نتوق لرؤيته في الذكرى 62 لثورة 14 أكتوبر المجيدة بعد 55 عامًا على مغادرته الوطن مكرهًا، لكن إرادة المولى كانت أسرع…

• بقلم / شايف محمد الحدي

كم كان بودّي لو أن هذا البطل القومي الاستثنائي ما يزال بيننا اليوم، حاضرًا بروحه وجسده في احتفالات الذكرى الثانية والستين لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، الثورة التي انطلقت شرارتها الأولى من جبال ردفان الشماء لتشعل جذوة الحرية في كل شبر من أرض الجنوب. اليوم، ونحن نحتفل بهذه الذكرى في مسقط رأسه، محافظة الضالع الأبية، يتجدد الإعجاب بفدائيته التي امتدت في جبهات ردفان، الضالع، الصبيحة وشوارع عدن، لتشكل صفحة مشرقة في سجل الكفاح الوطني.

لا يمكن الحديث عن هذه الثورة دون ذكر المناضل الجسور اللواء الركن سيف حمود علي الشيخ، المعروف بالاسم الفدائي «صفوان»، قائد فرقة الوليد الفدائية التابعة للتنظيم الشعبي للقوى الثورية لجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل. لقد خاض مع رفاقه عمليات نوعية جريئة هزّت أركان الاستعمار البريطاني، وما زالت شوارع المنصورة والمعلَّا والتواهي وكريتر تروي قصص تلك البطولات التي حوّلت حياة جنود الاحتلال إلى جحيم لا يُطاق.

لقد أصبح صفوان المطلوب الأول لأجهزة الاستخبارات البريطانية، التي بذلت جهودًا كبيرة لاعتقاله أو اغتياله، لكنها فشلت أمام براعته الاستثنائية في التخطيط والتمويه وسرعة الحركة. وظلّ يقود فرقة «الوليد» بثبات حتى أشرقت شمس النصر برحيل المستعمر البريطاني في 30 نوفمبر 1967م، ذلك اليوم الخالد المنقوش في ذاكرة الوطن.

ومع بزوغ فجر الاستقلال، لم يخمد في صفوان وهج العطاء، بل استأنف مسيرته بروح أكثر إصرارًا وإخلاصًا. غير أن التحولات الدراماتيكية التي أعقبت الاستقلال الوطني المجيد دفعته، مكرهًا، إلى مغادرة الوطن في مطلع السبعينيات، ليشدّ الرحال إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، التي كانت آنذاك تخطو خطواتها الأولى نحو بناء مؤسساتها الوطنية.

التحق صفوان بالجيش الإماراتي ضمن الطليعة المؤسسة، حاملاً معه رصيدًا وافرًا من الخبرة العسكرية وروح الفداء التي صقلتها سنوات النضال. وهناك كان أحد الركائز التي ساهمت في وضع الأسس الأولى لقوة عسكرية حديثة، إذ بذل جهده وطاقته في ترسيخ دعائم مؤسسة أمنية يُشاد بها.

ومع مرور الأعوام، ارتقى بثبات في مدارج الرتب والمسؤوليات، حتى تبوأ أرفع المناصب، ليغدو أنموذجًا للجندي العربي المخلص الذي لم يساوم يومًا على شرف الالتزام، ولم يعرف للتراجع أو الوهن سبيلاً.
كان قائدًا صارمًا في الميدان، متواضعًا بين رفاقه، قريبًا من جنوده، يجمع بين الحزم والإنسانية في آن واحد. ولأن الإخلاص لا يخفى أثره، أحاطته محبة زملائه وثقة قيادته، فظل اسمه يُذكر مقرونًا بالكفاءة والانضباط والوفاء، حتى غدا قدوة لكل من حمل البزّة العسكرية وسعى إلى خدمة وطنه بشرف وإباء.

لم يقتصر دور صفوان على الخدمة داخل المؤسسة العسكرية الإماراتية، بل تجاوز حدودها إلى ميادين الواجب الإنساني خارج الوطن. فقد شارك ضمن القوات الإماراتية في عدد من المهام الدولية لحفظ السلام في مناطق مختلفة حول العالم، ممثلًا نموذج الجندي العربي المنضبط والمسؤول. وكانت أبرز محطاته الخارجية تولّيه قيادة بعثة حفظ السلام الإماراتية في البوسنة والهرسك عقب الحرب البوسنية الصربية، حيث ساهم في إعادة الأمن والاستقرار، وتخفيف معاناة المدنيين الذين أنهكتهم ويلات الصراع. وهناك تجلّت شجاعته وحكمته القيادية، ليترك بصمة مشرفة في سجل العمليات الإنسانية والعسكرية على حد سواء.

وفي السابع والعشرين من فبراير عام 2025م، أسدل ستار الرحلة الدنيوية على جسده بهدوء يشبه وقاره في الحياة، لكن رحيله لم يكن نهاية الحكاية، بل بداية حضور آخر لا يزول. فقد بقيت روحه حيّة في ذاكرة الأحرار، تُستدعى سيرته كلما ذُكرت معاني الوفاء والثبات والإخلاص. فهو الرجل الذي حمل وطنه في قلبه حيثما مضى، وأبى أن يفرّط في مبادئه مهما تبدّلت الأمكنة وتغيّرت الأزمنة. وهكذا، وإن غاب الجسد عن الأعين، بقي الاسم مشعًّا في الضمائر، ينساب كنبراس يهدي السائرين على درب الكرامة

واليوم، ونحن نستحضر سيرة صفوان، نستحضر معها معنى البطولة في أنقى صورها. فحياته لم تكن مجرد صفحات من النضال، بل رسالة خالدة للأجيال المتعاقبة بأن الشجاعة والوفاء للوطن هما السبيل الأسمى لصناعة المجد، وأن التضحية في سبيل الحرية هي أرفع ما يمكن للإنسان أن يخلّده في سجل وطنه.

فلتكن سيرة صفوان –رحمه الله– شعلة تهدي خطى كل من يحلم بوطن حرّ كريم؛ فالأبطال قد يوارون الثرى بأجسادهم، لكن ذكراهم تبقى حيّة تنبض في الذاكرة، وتُزهر في الضمائر التي تؤمن بأن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع بتضحيات الرجال المخلصين. رحم الله صفوان، وجزاه عن وطنه وأمته خير الجزاء.

【المكتبة الوثائقية الأميرية ـ الضالع】

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى