تقارير

العالم الخفي لحكم الحوثيين: سجون وتجنيد للأطفال ونهب للمساعدات


تجنيد الأطفال بدل تعليمهم
عدن اوبزيرفر – حظيت جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران بإشادات واسعة في احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين حول العالم وعلى منصات التواصل الاجتماعي بسبب هجماتها الصاروخية على إسرائيل على خلفية حرب غزة. وفي مايو، امتدح الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه صلابة الحوثيين.

وقال ترامب، معلنا أن الجماعة وافقت على وقف مهاجمة السفن في البحر الأحمر بعد أسابيع من الضربات الأميركية “لقد تلقوا ضربات قوية، لكنهم يملكون قدرة هائلة على تحمل الضربات، تحملوا ذلك وأظهروا شجاعة كبيرة”. لكن في الداخل لدى كثير ممن عاشوا تحت حكم الحوثيين رأي مختلف تماما.

في مقابلات مع مئات اليمنيين الفارين من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في هذا البلد المنقسم، وصفوا الحوثيين بأنهم حركة مسلحة تقمع الأصوات المعارضة، وتدفع الناس إلى حافة الجوع، وتستغل المساعدات الغذائية الدولية لإكراه الآباء على تسليم أطفالهم للقتال في صفوفها.

قال عبدالسلام، وهو مزارع في السابعة والثلاثين من عمره يعيش في مخيم للنازحين في اليمن بعد فراره من مناطق سيطرة الحوثيين “الناس بين المر والأمر منه… يخيروك إما تكون معنا وتاخد سلة (طعام) تسد الجوع أو لا، ويكون الخيار صعب”. كحال كثيرين ممن تحدثت رويترز إليهم، طلب عبدالسلام الاكتفاء بذكر اسمه الأول، قائلا إن أفرادا من عائلته ما زالوا يعيشون تحت حكم الحوثيين.

تكشف هذه المقابلات مع مدنيين يمنيين وعشرات من موظفي الإغاثة، إلى جانب مراجعة وثائق داخلية لوكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة، كيف يحافظ الحوثيون على قبضتهم الحديدية: يفرضون طيفا واسعا من الضرائب على سكان فقراء، ويتلاعبون بنظام المساعدات الدولية، ويسجنون المئات.



كما تعرضت منظمات حقوق الإنسان والإغاثة لموجات من الاعتقالات، ففي أواخر أغسطس آب، قال برنامج الأغذية العالمي إن 15 موظفا اعتقلوا عقب اقتحام سلطات الحوثيين مكاتب المنظمة في العاصمة صنعاء، ليرتفع عدد موظفي الإغاثة المحتجزين حاليا إلى 53.

يقول أبو حمزة، الذي فر من الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون قبل بضع سنوات “عيشه مغص مفيش نقدر نتنفس”. وأشار إلى أنه أمضى عاما في زنازين سجن تحت الأرض بسبب تحدثه علنا ضد الحوثيين خلال جلسات القات “إحنا محكومين بمليشيا تحكم بالدين”.

وينتشر الجوع في مختلف أنحاء اليمن، البلد الذي مزقته الحرب الأهلية التي اندلعت في عام 2014. وأعلن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو مرصد عالمي لمراقبة الجوع، في يونيو حزيران أن أكثر من 17 مليونا من أصل 40 مليون نسمة في اليمن يواجهون “مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد”.

وتراجع تمويل المانحين للمشاريع الإنسانية في اليمن، ويعزى ذلك جزئيا إلى استمرار الحوثيين في تحويل مسار المساعدات. وازداد الوضع سوءا في وقت سابق من هذا العام عندما نضب أكبر مصدر لتمويل أعمال الإغاثة الإنسانية في البلاد بعد أن خفضت إدارة ترامب المساعدات الخارجية، ما أنهى العديد من العمليات التي كانت تمولها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ذراع واشنطن لتقديم المساعدات.

ومنذ هجوم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في أكتوبر 2023، وجهت إسرائيل ضربات مدمرة لحماس في غزة ولجماعة حزب الله في لبنان، وكلاهما جزء من “محور المقاومة” الإيراني. كما استهدفت الحوثيين، بما في ذلك هجوم في أغسطس أسفر عن مقتل رئيس الوزراء المعين من قبل الحوثيين وعدد من الوزراء. كما أدي إلى مقتل عشرات من المدنيين حسب تصريحات الحوثيين لكن هذه الضربات فشلت في ردع الجماعة عن إطلاق طائرات مسيرة وصواريخ على إسرائيل.

تقديس الزعيم
ينتمي الحوثيون إلى المذهب الزيدي، أحد فرق الشيعة، الذي كان يحكم شمال اليمن في السابق، وهي منطقة كانت معزولة وفقيرة. والاسم الرسمي للجماعة هو “أنصار الله” غير أن تسميتها الشائعة جاءت من اسم العائلة التي قادت حركة الإحياء الديني.

يتزعم الجماعة عبدالملك الحوثي، وهو في الأربعينيات من عمره، منذ عقدين من الزمان وقادها خلال حرب أهلية تفجرت عام 2014 بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء. ومع تنامي نفوذ إيران، قادت السعودية تحالفا واسعا من دول سنية بدعم غربي لمواجهة الحوثيين. وعندما خفت حدة الحرب، كان عشرات الآلاف من اليمنيين قد لقوا حتفهم وتعرض الاقتصاد لدمار واسع.



لا يظهر عبدالملك الحوثي علنا، بل يلقي خطبه أسبوعيا عبر شاشات التلفزيون أمام حشود في الساحة الرئيسة بصنعاء. وهناك يردد الحاضرون شعار الجماعة السياسي “الله أكبر.. الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام”.

وبحسب باحثين مختصين بالجماعة، يحكم الحوثي عبر دائرة ضيقة من المقربين وأفراد العائلة، كما يعتمد على بث الخوف. وتقول منظمات لحقوق الإنسان وعدد من المحتجزين السابقين إنه جرى اعتقال آلاف اليمنيين واحتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي وتعذيبهم على يد الحوثيين.

ويؤكد عشرات من النازحين الذين تحدثت إليهم رويترز أن الحوثيين ينفذون حملات تعبئة أيديولوجية مكثفة، إذ يجُبر موظفو الدولة، بحسب قولهم، على حضور جلسات أسبوعية تبُث فيها محاضرات لعبد الملك الحوثي، فيما تنتشر صوره وكلماته على لوحات ضخمة في شوارع صنعاء.

لكن المتحدث الحوثي عامر يقول إن “اتهامات التعذيب في السجون كاذبة ولا أساس لها من الصحة وكذلك الادعاءات بأن الناس يجبرون على حضور المسيرات أو التبرع لها أو حضور المحاضرات في أماكن عملهم”.

التحكم في المساعدات
بين 2015 و2024، جمعت الأمم المتحدة 28 مليار دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية في اليمن. ذهب نحو ثلث هذه الأموال، حوالي تسعة مليارات دولار، إلى برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة لإطعام ما يصل إلى 12 مليون شخص شهريا، معظمهم في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

كما ضخت وكالات الأمم المتحدة الأخرى، بما في ذلك صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) ومنظمة الصحة العالمية، مئات الملايين في المرافق الصحية وإمدادات الوقود والبرامج الغذائية. لكن المساعدات في كثير من الأحيان لا تصل إلى مستحقيها.

ووفقا لعشرات النازحين والمراقبين الميدانيين المحليين التابعين للأمم المتحدة وموظفي الإغاثة سيطر الحوثيون فعليا علي سلسلة إمداد المساعدات الإنسانية. على سبيل المثال، تتضمن قوائم المستحقين للمساعدات أسماء عدد كبير من الأشخاص الذين ليس لهم وجود أو “المستفيدين الأشباح”، وغالبا ما يكون أولئك الذين يتلقون المساعدات من الموالين للحوثيين مثل المقاتلين. وقال أحد موظفي الإغاثة إنه من بين نحو تسعة ملايين شخص مسجلين لتلقي المساعدات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون “لم نكن نعرف خمسة ملايين منهم”.

دفع هذا التقويض لعملية المساعدات برنامج الأغذية العالمي إلى تجميد توزيع السلال الغذائية في عام 2023 في المناطق التي يديرها الحوثيون. وقال متحدث باسم البرنامج إن تعليق المساعدات في شمال اليمن عام 2023 “مرتبط بتعذر التوصل إلى اتفاق” مع سلطات الحوثيين بشأن تدابير تحديد المستفيدين الحقيقيين من المساعدات، مضيفا أن المنظمة “استأنفت عمليات توزيع طارئة محدودة في المناطق الأكثر عرضة للخطر” لتفادي المجاعة.


وقال المتحدث “في الوقت الحالي، توقفت جميع عمليات برنامج الأغذية العالمي في المحافظات الشمالية في اليمن”. كما مارس الحوثيون السيطرة على جمع بيانات الأمن الغذائي، والتي تشكل الأساس لتقييمات الجوع التي يجريها التصنيف المرحلي المتكامل. وأجرت رويترز مقابلات مع عائلات نازحة في عدن، وكذلك في محافظتي لحج ومأرب، فرت من مناطق الحوثيين وتعيش الآن على وجبة طعام واحدة في اليوم.

يقول إسماعيل وهو أب لخمسة أطفال “إذا تناولنا وجبة الفطور، فلن نتناول الغداء. إذا تناولنا الغداء، فلن نتناول الفطور” مضيفا أن مصدر دخله الوحيد هو جمع الزجاجات البلاستيكية لبيعها لورش إعادة التدوير. وألقى وزير الإعلام الإرياني باللوم على الحوثيين في الظروف القاسية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، قائلا إنهم “يسرقون” المساعدات الإنسانية.

فرت فلة الهادي، وهي أم لأربعة أطفال، من مناطق سيطرة الحوثيين إلى عدن في عام 2021. ومثل العديد من الأمهات تقضي معظم يومها في جمع بواقي الأكل من المطاعم والتسول للحصول على المال. وقالت “نمشي مسافة بعيد نروح نجمع بواقي الأكل من المطاعم كل يوم”.

ورغم صعوبات الحياة، قالت إنها تستطيع النوم الآن بعد أن زال خطر تجنيد أطفالها للقتال مع الحوثيين. وأضافت أنها كانت تخشى عودتهم إليها في توابيت. وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أنه منذ 2009 على الأقل، دأب الحوثيون على تجنيد الأطفال بشكل ممنهج في صفوف قواتهم. وأضافت أنه منذ اندلاع حرب غزة زاد عدد الأطفال المجندين بشكل كبير. تقول الأمم المتحدة أيضا إن بعض القوات الحكومية جندت أطفالا، ولكن بأعداد أقل.

جند الحوثيون عبد المغني السناني قسرا في سن العاشرة. قال إنه تعرض للسجن والضرب والتلقين العقائدي. وقال لرويترز في مخيم مأرب للنازحين في المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة في اليمن إنه تلقى تدريبا عسكريا وكلف بإيصال الإمدادات إلى جنود أطفال آخرين.

أعد مدربوه الحوثيون الأطفال للموت وقيل لهم إن الطريق إلى الجنة يمر عبر زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي. يحكي السناني الذي يبلغ الآن 18 عاما “كانوا يقولوا لنا ما في داعي للصلاة… كان يدونا محاضرات وكان يقولونا إن السيد عبد الملك (الحوثي) بالختم حقه ندخل الجنة”. وقال عامر المتحدث باسم الحوثيين إن اتهامات الجنود الأطفال “لا أساس لها من الصحة” و”مجرد افتراءات”.العرب

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى