……عدن على صفيح ساخن …..

بقلم: العقيد/ محسن ناجي مسعد
تعيش العاصمة عدن هذه الأيام واحدة من أحلك فصول معاناتها، إذ تتقاذفها الأزمات كأمواج البحر الهائجة، وتغرق في ظلام دامس يعكس حال مدينة كانت يوماً ما منارة الجنوب، ومركز إشعاع حضاري وإداري واقتصادي على مستوى الإقليم كله .
فعدن اليوم ليست فقط بلا كهرباء، بل بلا أفق، وبلا إدارة قادرة على انتشالها من واقعها المؤلم ومن مستنقع الإهمال والفوضى والفساد الذي يسودها اليوم. المدينة التي كانت تُعرف بانضباطها المدني و نظامها المروري الذي كان يضرب به المثل وإمتثال أهلها للقوانين التي كانت سائدة في يوم من الايام وقبل ما تتحول الى أشبه ما تكون بغابة وجمال عمرانها ونظامها الإداري والمالي ، تحولت إلى مدينة تئن تحت وطأة الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، وتدهور الخدمات الأساسية، وانفلات أمني متزايد، وسط صمت رسمي مطبق وتبادل للاتهامات بين أطراف السلطة المتشاركة في الفشل.
إن ظلام عدن ليس مجرد انقطاع للكهرباء، بل هو ظلام سياسي وثقافي وإداري وأخلاقي يخيّم على المشهد العام. فالمواطن الجنوبي البسيط الذي حلم ذات يوم بأن تكون عدن منطلق دولته المستقلة وأن تكون أنموذج للأستقرار السياسي والأمني والاجتماعي والمعيشي والصحي والرياضي وأن لا يجد الأنسان صعوبة في الحصول على لقمة عيشه الضرورية وعلى حقه في العلاج والتطبيب الذي كان في يوم من الأيام متاحا للجميع دون تميز ، يجد نفسه اليوم أسير معاناة مركبة: انقطاع الكهرباء والمياه، انعدام المرتبات، انعدام الصحة والنظافة، تدهور العملة، وارتفاع الأسعار بصورة خيالية جعلت الحياة اليومية أشبه بصراع من أجل البقاء.
لقد تحولت عدن إلى ساحة تصفية حسابات بين القوى المتنافسة على السلطة، وكل طرف يحاول أن يفرض سيطرته على حساب معاناة الناس. فلا مشروع وطني واضح، ولا رؤية اقتصادية أو خدمية تُنقذ المدينة من الانهيار. والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي وعد الناس بإدارة الجنوب بكفاءة واقتدار، وجد نفسه أسيراً لشراكات هشة وقيود سياسية جعلته عاجزاً عن تقديم نموذج ناجح في إدارة العاصمة المؤقتة عدن .
وما زاد الطين بِلّة هو غياب المساءلة والمحاسبة، إذ أصبح الفساد هو القاعدة لا الاستثناء، وأضحت مؤسسات الدولة مجرد أدوات لتقاسم النفوذ والمصالح، فيما يعيش المواطن العدني على فتات الوعود والتسويف والشعارات الكذابة والحماسية التي لا تلامس الواقع ولم تستطيع تغيير الواقع المٱساوي الذي تعيشه عدن هذه الأيام .
عدن اليوم تقف على صفيح ساخن، فالغضب الشعبي يتصاعد، والاحتقان بلغ مداه، والمجتمع يعيش حالة من الغليان الصامت الذي قد ينفجر في أي لحظة إذا استمرت الأوضاع على هذا النحو وعلى هذا المنوال . فليس من المنطق أن يُطلب من الناس الصبر إلى ما لا نهاية، بينما تنعم النخب بالامتيازات والسفر والإقامات الفاخرة والرواتب المغرية في الخارج بينما أبناء هذه المحافظة يعتريهم الجوع والفقر الغير مسبوق في تاريخ هذه المحافظة العملاقة التي لم تتعرض في حياتها لمثل هذا الأهمال المتعمد . ورغم كل المحن التي تعرضت وتتعرض لها عدن الا إنها كما عهدناها كانت ولا زالت تفتح ذراعيها للجميع دون تمييز مناطقي أو قبلي أو مذهبي أو طائفي .
لقد آن الأوان لأن يُدرك الجميع أن عدن ليست مجرد ورقة سياسية أو جغرافيا نفوذ، بل هي روح الجنوب وقلبه النابض ومركز ثقله التاريخي والوطني والحضاري. إن سقوط عدن أخلاقياً وخدمياً يعني سقوط المشروع الجنوبي برمّته، وإنقاذها من هول ما تعانية هو واجب وطني وأخلاقي لا يحتمل التأجيل أو المماطلة.
فهل يدرك صُنّاع القرار والمعنيين بأمر هذه المدينة التي تعتبر سويد قلب الجنوب حجم الخطر المحدق بها ؟
وهل يستيقظ الضمير الجنوبي قبل أن يتحول صفيح عدن الساخن إلى نار تحرق الجميع؟
عدن ٢٣ اكتوبر ٢٠٢٥م



