الشباب.. رحلة نحو ثمرة الحياة

إلهام محمد زارعي
في قديم الزمان، كان قومٌ يعبدون الأصنام ويقفون في وجه كل نورٍ يحاول أن يشقّ ظلمة عاداتهم، ومن بين ذلك الركام، نهضت قلوبٌ فتية آمنت بأن للحق سلطانًا لا يُقهر، فاختارت الإيمان على الخوف، والثبات على السلامة، وهربت إلى كهفٍ في الجبل، حيث احتمت بالله من بطش الظالمين.
وهناك، غمرهم النوم سنين طويلة، ليكونوا آيةً للناس: أن الله لا ينسى من يلجأ إليه بصدق، وأن الصبر على الحق يورث الخلود، لكن ذلك الزمان قد ولّى.
لم يعد في مقدور شباب اليوم أن يفرّوا من الضجيج إلى كهفٍ صامتٍ ينتظرون فيه معجزة التغيير. لقد أصبحوا هم المعجزة ذاتها، وعليهم أن يستيقظوا لا لينتظروا الغد، بل ليصنعوه، فالعالم الذي يعیشه شباب اليوم ليس العالم الذي عرفه آباؤهم.
إنه عالمٌ يركض بسرعه، عالمٌ يطلب منهم أن يتكلموا قبل أن يفكروا، وأن يستهلكوا قبل أن يفهموا، وأن يلهثوا وراء السراب وهم يظنونه ماءً. في هذا الاضطراب قد تُخلق أسئلة عديدة عندهم ك: من نحن؟ وإلى أين نمضي؟ ولماذا يملؤنا الفراغ رغم كل هذا الامتلاء؟
إن من لا يملك بوصلةً داخلية، ستقوده الرياح إلى أي مكان، وهكذا يضيع كثير من الشباب في دوامة التيارات والأصوات الصاخبة التي تُغري ولا تُشبع.
لقد عاش جيل الأمس على البساطة والإيمان والتضحية، بينما يعيش جيل اليوم على السرعة والاستهلاك والمقارنات.
تغيّرت المقاييس: فبعد أن كان النجاح يُقاس بسلامة القلب وصفاء النية، صار يُقاس بعدد المتابعين وحجم الأرصدة وإثارة الجدل أو الدخول في ميادين الصراع.
ولكن، جيل اليوم ليس جيلًا ضائعًا بل أنه جيلٌ يُمتحَن بقسوةٍ ليُصاغ من جديد لزمنٍ أعظم و لإدارة نظمٍ بديع في قرنٍ الأنوار..
قد يكون هذا التيه الذي يعيشه الشباب بداية النضج في عملية غربلةٍ للبحث عن الحقيقة وبلوغ الحرية الحقيقية. وكما يقولون : “القلق هو دوار الحرية” أي إننا حين نقترب من الحقيقة، تزلزلنا الحرية قبل أن تهدينا الطريق.
إن شبابنا اليوم وسط اضطراب أوضاع العالم هم عطشى لنور الحقيقة وإدراك اعمق لمعنى وجودهم على هذه الأرض.
إن هذا النور يُكشف عن ذاته بالمرافقة في طريق التعلم والبناء وشحذ الهمة لتقديم مساهمات رائعة لتقدّم الحضارة البشرية روحيًّا وماديًّا.
الطريق لم يختفِ، لكنه اختبأ في عمق القلب، وليس على الشاب أن يخجل من التيه، فكل السالكين مرّوا بمحطات الحيرة قبل أن يجدوا السبيل. المهم ألا يستسلم، وألا يصدّق من يقول له إن الطريق غير موجود، لأن طريق النور هو طريق التعلم ، العمل ،الخدمة واكتساب المهارات من أجل إصلاح العالم وتهذيب الأمم، وفي أن يمدّوا أيديهم لبعضهم البعض للمشاركة والمرافقة..
على الشباب اليوم أن يدركوا أن مسؤوليتهم ليست انتظار زمنٍ أفضل، بل صنعه. وأن يكونوا الجسر بين الأمس والمستقبل، يحملون في أيديهم شعلة الأمل لا شعارات الشكوى.
إن روح العالم اليوم تنتظر من شبابها أن يكونوا كالفتية الذين آمنوا بربهم – لا بالهرب من الظلم، بل بمواجهته بالخير، لا بالانعزال، بل بالعمل.
لقد نام أولئك في الكهف ليُظهر الله بهم آيةً للناس، أما شباب اليوم، فآيتهم أن يظلّوا مستيقظين، حاملي النور في عالمٍ يفتقده.
فيا أيها الشباب الأعزاء: “مع أنّ واقعكم قد شكّلته ظروف شاسعة التّنوّع والتّعدّد، إلّا أنّ الرّغبة في إحداث تغيير بنّاء والقدرة على القيام بخدمة هادفة، وكلتيهما من سمات مرحلتكم العُمريّة، لا تقتصران على عرق أو جنسيّة بعينها، ولا تعتمدان على الوسائل الماديّة. إنّ هذه المرحلة المشرقة من الشّباب المشتركة بينكم يمر بها الجميع – لكنّها قصيرة الأمد، وتعصف بها العديد من القوى الاجتماعيّة. فكم هو مهمّ، إذن، أن تسعوا جاهدين لتكونوا من تلك النّفوس الّتي ’فازت بثمرة الحياة‘.. “.
ودمتم سالمين.



