مقالات

أن تخلع الحجاب في طهران


يمكن إرجاع المشاهد الجديدة لتأثيرات حرب الـ 12 يوماً بين إيران وإسرائيل وليس لأن النظام يتغير نحو مزيد من الحريات

هدى رؤوف كاتبة @HudaRaouf


ملخص
الشعب الإيراني ذكي بما يكفى ليستوعب المرحلة الحرجة التي يمر بها النظام ومن ثم استغلال الظرف الحالي للحصول على أية مكتسبات اجتماعية، ومن ذلك تلك المشاهد التي يتزايد فيها التخلي عن الحجاب وعدم الالتزام بقوانين الحكومة السارية، كما أن مشهد قيادة النساء الدراجات البخارية نتاج اضطرارهن إلى استخدامها بسبب ازدحام حركة المرور الصباحية ونقص وسائل النقل العام، أو عدم قدرتهن الاقتصادية على استخدام وسائل أخرى، وهو تعبير عن تغيير تدريجي، ومن ثم فإن استمرار تلك المشاهد المتحررة، وإن كانت موقتة أو مرتبطة بظروف اقتصادية، قد يكون نواة لبداية تغيير اجتماعي حقيقي على المدى الطويل.

“أن تقرأ لوليتا في طهران” رواية للكاتبة الإيرانية آذار نفيسي، وكانت الأكثر مبيعاً في قائمة “نيويورك تايمز”، وهي تحكي ذكرياتها خلال الثورة الإيرانية وفرض قواعد جديدة تحكم المجتمع والنساء، خلال اجتماعها مع مجموعة من الطالبات أسبوعياً في منزلها، وكيف تحطمت أحلام كثر على وقع تلك التغيرات الجديدة، والسؤال هنا: هل مشهد الإيرانيات من دون حجاب صار معلناً ومقبولاً مما يبشر بأمل جديد للشباب الإيراني؟

ما طرح هذا السؤال هو ثلاثة مشاهد اجتماعية شهدتها إيران خلال الأسابيع الأخيرة، الأول يتعلق بفيديو لمجموعة من الشباب من الجنسين يرقصون على أنغام موسيقى الروك في أحد شوارع طهران العاصمة، والآخر مشهد أمهات يقدن دراجات بخارية أثناء توصيل أطفالهن إلى المدارس صباحاً، والثالث يتعلق بتصريحات عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام محمد رضا باهنر حول الحجاب ومدى إلزاميته، ولا سيما مع تكرار مشاهد النساء وهن يخلعن الحجاب أو يرتدينه بشكل غير ممتثل لقواعد الحجاب الصارمة التي يفرضها النظام، فهل تتغير إيران وتتجه نحو الانفتاح؟ وهل تحصل المرأة الإيرانية على مزيد من الحقوق والحريات؟

عندما تولى الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان رأس السلطة التنفيذية في إيران راهن كثر على أن يجري توسيع هامش الحقوق والحريات للنساء، ولا سيما مع وعده بإيقاف “شرطة الأخلاق” التي تسببت في احتجاجات شديدة على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني عام 2022، لكن ما حدث أنه في أكتوبر (تشرين الأول) 2024 قدّم “قانون الحجاب” الذي وافق عليه مجلس صيانة الدستور، ثم أُحيل إلى مجلس الشورى الإيراني ليتضمن بنوداً بها مزيد من القيود والعقوبات حول ارتداء الحجاب، ولم يصدر أي تصريح رسمي عن الرئيس الإيراني حينها، وجرت الموافقة وإقرار البرلمان لـ “قانون الحجاب والعفة” إلا أنه لم يصدر رسمياً، ومن هنا فلا يمكن اعتبار مشاهد التحرر من الحجاب في إيران دليلاً على نجاح حكومة بزشكيان الإصلاحية في التخفيف من تطبيق القانون.

ومن جهة أخرى أعلن باهنر أن ارتداء الحجاب لم يعد إلزامياً قانوناً ولن تفرض عليه أية غرامات أو عقوبات، مما أثار جدلاً داخل إيران من قبل المتشددين، حتى عاد ليتراجع ويقول إنه لم يعبر عن كلامه بالدقة اللازمة، وهو ما يمثل تحولاً كبيراً عن سياسة سارية منذ الثورة الإسلامية عام 1979، فهل يمكن اعتبار تلك المشاهد تحولاً عن سياسة قائمة من الثورة الإيرانية عام 1979؟ وهل تتخلى إيران عن أحد المحاور التي أسست عليها شرعية النظام السياسي بعد الثورة، لتبدأ فصلاً جديداً منفصلاً تماماً عن عهد الشاه؟

يعتبر النظام الإيراني أن “قانون الحجاب” مستوحى من الشريعة ومعتمد من قبل المؤسسات الرسمية للنظام، وأنه واجب اجتماعي قائم على الشريعة والأعراف التي تعتبرها إيران أساس تأسيس النظام الذي وضع سياسات لتطبيقه على جميع النساء، إذ إن فرض سياسات تتعلق بقضية العفة والحجاب، ثم دورية الإرشاد في الثمانينيات ومشاريع التهذيب خلال التسعينيات، شكلت جميعها دعائم الحكومة الإسلامية لتوفير أساس لتطبيق الشريعة الإسلامية في المجال العام.

ويمكن إرجاع المشاهد الجديدة لتأثيرات حرب الـ 12 يوماً بين إيران وإسرائيل وليس لأن النظام يتغير نحو مزيد من الحريات، فقد أعلن بنيامين نتنياهو حينها أن هدفه تغيير النظام الإيراني وأظهر دعمه لابن شاه إيران، ولذلك فقد أراد النظام الحفاظ على الوحدة والتماسك الاجتماعي الذي ظهرا في أعقاب الحرب، ولذا لم يرغب في أن تكون قضية الحجاب سبباً لاستقطابات اجتماعية وسياسية في وقت لم تنجح المفاوضات مع ترمب وأعيد تطبيق العقوبات الأممية وموضوع قدرات إيران الصاروخية، وكي لا تصبح قضية الحجاب سبباً لتفجر احتجاجات جديدة فقد أوقف “المجلس الأعلى للأمن القومي” تطبيق القانون، ولكن ذلك لا يعنى وقف تنفيذه وتطبيقه وإنما منع الاشتباكات الميدانية والاعتصامات التي من شأنها أن تمزق التماسك الاجتماعي الذي ساد بعد الحرب، وما يؤكد هذا المبرر هو حديث المرشد الإيراني الأخير أثناء اجتماعه مع مجموعة من الشباب الفائزين بجوائز علمية ورياضية، حين تحدث عما سماه أن إيران في خضم حرب ناعمة والعدو يسعى إلى أن يصيب الشعب بالإحباط واليأس من قدراته، ومن ثم فإن النظام الإيراني ومؤسساته، وعلى رغم الجدل حول الحجاب وظواهر أخرى اجتماعية، إنما يسعى إلى تصحيح حسابات الطرف الآخر من البيئة الداخلية الإيرانية كي لا يعتمد عليها خلال حربه مع النظام، وذلك عبر تجنب خلق أية احتقانات من شأنها تشتيت تركيز النظام حال الاستعداد لمواجهة محتملة مع إسرائيل أو المفاوضات مع ترمب وعودة العقوبات الأممية، لأن التعامل مع احتقانات واحتجاجات قد يضعف الجبهة الداخلية في مواجهة الاستعداد لتحديات خارجية تستهدف قدرات النظام الصاروخية والنووية أو تغيير النظام ذاته، بل حتى تفادى احتمال تجنيد مزيد من العملاء والمتعاملين مع إسرائيل ضد النظام، وهو ما أظهرته المواجهات بين طهران وتل أبيب أخيراً.

إن الشعب الإيراني ذكي بما يكفى ليستوعب المرحلة الحرجة التي يمر بها النظام، وبالتالي استغلال الظرف الحالي للحصول على أية مكتسبات اجتماعية، ومن ذلك تلك المشاهد التي يتزايد فيها التخلي عن الحجاب وعدم الالتزام بقوانين الحكومة السارية، كما أن مشهد قيادة النساء الدراجات البخارية، وهو ليس حديثاً، فكما أنه نتاج اضطرار تلك النساء إلى استخدام الدراجات نتيجة ازدحام حركة المرور الصباحية ونقص وسائل النقل العام أو عدم قدرتهن الاقتصادية على استخدام وسائل أخرى، فهو تعبير عن تغيير تدريجي، وعلى رغم أن تلك المشاهد المتحررة، وإن كانت موقتة أو مرتبطة بظروف اقتصادية، لكن استمرارها قد يكون نواة لبداية تغيير اجتماعي حقيقي على المدى الطويل.اندبندنت عربية

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى