صفقات تبادل بين الحوثي والقاعدة تقلق المجتمع الدولي وتكشف تواطئا ضد الشرعية

عدن اوبزيرفر/متابعات:
تُظهر المعطيات الميدانية والحقوقية المتاحة أن العلاقة بين ميليشيا الحوثي وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب تتجاوز حدود المواجهة التقليدية التي تعلنها الأطراف إعلاميًا، لتتحول في واقع الأمر إلى شبكة معقدة من التفاهمات والتبادلات ذات الطابع الأمني والسياسي. أحدث هذه الوقائع تمثلت في صفقة تبادل جديدة، كشفتها مصادر حقوقية وأمنية مطلعة، أفرجت بموجبها الميليشيا الحوثية عن القيادي في التنظيم محمد محسن القادري، نجل القيادي البارز محسن القادري المكنّى بـ”أبي جهاد الذماري”، ضمن تفاهمات غير معلنة شملت إطلاق عناصر إرهابية وتسليم أسلحة ومبالغ مالية.
وتشير هذه الصفقة إلى أن العلاقة بين الحوثيين والتنظيم ليست حدثًا طارئًا، بل استمرار لنهج متكرر يعكس نوعًا من التحالف التكتيكي بين طرفين يبدوان متناقضين أيديولوجيًا، لكنهما يلتقيان في هدف مشترك: تقويض سلطة الدولة وإضعاف مؤسساتها الأمنية والعسكرية.
تحالفات ظرفية ومصالح متبادلة
تزامن الإفراج عن القادري الابن مع تصاعد الضغوط الدولية على الحوثيين بشأن قضايا الإرهاب وحقوق الإنسان، ما يثير تساؤلات حول استخدام الجماعة لهذه الصفقات كأداة لتخفيف الضغط، من خلال توظيف التنظيمات الإرهابية كورقة ضغط مزدوجة: تهديد الخصوم داخليًا، وتقديم نفسها خارجيًا كقوة “مناهضة للإرهاب”.
ويرى مراقبون أن هذه التفاهمات ليست مجرد إجراءات ميدانية، بل تمثل استراتيجية إدارة صراع تعتمدها الجماعة لتوسيع نفوذها، عبر استغلال الفوضى وتعدد الأطراف المسلحة في البلاد. ففي الوقت الذي ترفع فيه شعار “محاربة الإرهاب”، تُظهر الوقائع تنسيقًا ميدانيًا غير مباشر مع تنظيم القاعدة، تجلّى في تبادل الأسرى وتوفير ممرات آمنة وتسهيلات لوجستية داخل مناطق سيطرة الميليشيا.
صفقات متكررة وتنسيق متنامٍ
تفيد المعلومات بأن محمد القادري كان محتجزًا في صنعاء منذ أكثر من عامين على خلفية نشاطات تنظيمية تتعلق باستقبال عناصر أجنبية وتنسيق عمليات داخلية. الإفراج عنه لم يكن معزولًا، بل جاء امتدادًا لسلسلة صفقات مشابهة أُبرمت خلال السنوات الأخيرة، أطلقت الميليشيا بموجبها قيادات وعناصر من القاعدة مقابل خدمات عسكرية أو أمنية.
ويُعد والده، محسن القادري، من أبرز القيادات التاريخية في التنظيم، إذ تنقل بين أفغانستان واليمن وتولى مسؤوليات أمنية حساسة في جهاز استخبارات القاعدة. وبحسب محللين، فإن الإفراج عن شخصية بحجم القادري الابن يعكس مستوى ثقة متبادل وتنسيق منظم بين الحوثيين والتنظيم، ما يشير إلى أن العلاقة تجاوزت حدود المصادفة الفردية إلى شراكة تكتيكية ذات بعد استراتيجي.
الباحث في شؤون الحركات المتطرفة محمد بن فيصل يؤكد أن عمليات الإفراج هذه ليست معزولة، بل جزء من سلسلة تفاهمات أوسع، مشيرًا إلى أن الميليشيا قدمت دعمًا عسكريًا نوعيًا لعناصر من القاعدة، في إطار تبادل المنافع، يتيح للطرفين تعزيز مواقعهم الميدانية في مناطق النزاع.
شبكة حوثية لإدارة الملفات الأمنية
تقرير صادر عن مركز P.T.O.C Yemen لتعقّب الجريمة المنظمة وغسيل الأموال، نُشر في سبتمبر الماضي، كشف عن وجود شبكة حوثية متخصصة في إدارة ملف عناصر القاعدة وداعش، تتصدرها شخصيات نافذة أبرزها عبدالقادر الشامي نائب رئيس جهاز الأمن والمخابرات، وعبدالكريم الحوثي وزير الداخلية، وعبدالله يحيى الحاكم (أبو علي الحاكم) قائد الاستخبارات العسكرية.
وأوضح التقرير أن هذه الشبكة تتولى عمليات الإفراج عن المعتقلين من عناصر التنظيمات الإرهابية، وإعادة توزيعهم على الجبهات، عبر قيادات ميدانية مثل أبو عماد المراني وإبراهيم الماس وأبو محمد السقاف.
كما أورد التقرير تفاصيل عن صفقات سرية أُفرج بموجبها عن شخصيات مصنفة على قوائم الإرهاب الدولي، مثل سامي فضل عبدربه ديان، المتورط في اغتيال اللواء سالم قطن، الذي أُفرج عنه مطلع 2024 بعد تجنيده لصالح الحوثيين وتكليفه بتشكيل خلايا في محافظة أبين. كما ظهرت عناصر أخرى متورطة في تفجير ميدان السبعين تقاتل لاحقًا في جبهات مأرب والجوف.
إعادة تأهيل وتوظيف ميداني
بحسب التقرير ذاته، لم يقتصر الأمر على الإفراج عن العناصر الإرهابية، بل شمل إعادة تأهيلهم في معسكرات تدريب سرية في محافظات صعدة وذمار وعمران، تمهيدًا لدمجهم في وحدات ميدانية أو تكليفهم بمهام استخباراتية تتعلق بزرع العبوات الناسفة وتنفيذ الاغتيالات وجمع المعلومات الميدانية.
وأشار التقرير إلى أن هذه العمليات تجري تحت غطاء ديني وإعلامي يصف التعاون بأنه “تحالف ضرورة” لمواجهة “العدو المشترك”، في محاولة لتبرير التنسيق بين الطرفين. ووفقًا للمركز، يحصل المفرج عنهم على رواتب شهرية تصل إلى 260 دولارًا، وتُقدم لعائلاتهم تسهيلات اجتماعية وضمانات حماية، في ما يُعرف بـ”استراتيجية تدوير الإرهاب لخدمة المشروع الحوثي”.
من بين الحالات الموثقة القيادي علي سالم الفطحاني (أبو سالم) الذي استُقطب عام 2021 لتشكيل خلايا في أبين، ورياض النهدي (أبو عمر) الذي أنشأ واجهة سياسية باسم “تيار التغيير والتحرير” في حضرموت تعمل كغطاء لتجنيد العناصر المتطرفة.
تعاون وظيفي أكثر من تقارب أيديولوجي
تتطابق تقارير محلية ودولية في توصيف العلاقة بين الحوثيين والقاعدة بأنها علاقة تبادل منافع، وليست تقاربًا فكريًا أو عقائديًا. فبينما يرفع الطرفان شعارات متناقضة، يجمعهما الهدف المرحلي في إضعاف الحكومة الشرعية وزعزعة الأمن، وتبادل الخدمات التي تشمل التمويل والتجنيد والمعلومات.
ووفقًا لتقارير أممية، استخدم الحوثيون على مدى السنوات الماضية عناصر من القاعدة وداعش في عمليات تستهدف القوات الحكومية، من بينها زرع عبوات ناسفة وتنفيذ اغتيالات، مقابل مكافآت مالية أو الإفراج عن محتجزين. ويعكس هذا النمط من التعاون ما يمكن وصفه بـ”الإرهاب بالوكالة”، إذ توظف الميليشيا التنظيمات المتطرفة لتنفيذ مهام لا ترغب في الظهور بمسؤوليتها المباشرة عنها.
المحلل السياسي مانع المطري يرى أن الحوثيين يستخدمون هذه العلاقة كأداة سياسية، حيث يُفرجون عن عناصر من القاعدة ويسلحونهم لتنفيذ هجمات في المحافظات الجنوبية والمحررة، بهدف إرباك المشهد الأمني وإفشال جهود الاستقرار. ويضيف أن هذا السلوك يكشف عن”تنسيق خفي يتجاوز المصالح اللحظية إلى استراتيجية طويلة الأمد لإعادة إنتاج الفوضى والإرهاب بشكل يخدم بقاء الميليشيا كقوة أمر واقع”.
البعد الإقليمي: مشروع إيراني بأدوات يمنية
ترى مراكز بحثية أن هذا النمط من العلاقات لا يمكن فصله عن المشروع الإيراني في المنطقة، الذي يعتمد على دعم الميليشيات العابرة للحدود وإعادة تدوير الجماعات المسلحة لخدمة أهدافه الإقليمية. ويشير تقرير “P.T.O.C Yemen” إلى أن الحرس الثوري الإيراني يقف خلف سياسة الحوثيين في تجنيد عناصر من القاعدة وداعش، سواء من خلال التمويل أو التدريب أو توفير القنوات اللوجستية.
ويعتبر مراقبون أن إعادة تدوير العناصر الإرهابية يمثل خرقًا فاضحًا للقانون الدولي الإنساني، إذ يُستغل هؤلاء كأدوات سياسية وعسكرية لتصفية الخصوم وابتزاز المجتمع الدولي. ويصف هؤلاء الحوثيين بأنهم “النسخة اليمنية من الحرس الثوري”، يستخدمون الإرهاب كوسيلة لإدارة النفوذ وفرض الهيمنة المحلية والإقليمية.
دعوات للمساءلة والرقابة الدولية
تدعو منظمات حقوقية إلى تحقيق دولي شفاف في ممارسات الميليشيا، خصوصًا ما يتعلق بإدارة السجون السرية وإطلاق سراح عناصر إرهابية أو تسليحهم. وطالبت بفرض رقابة أممية على مراكز الاحتجاز في صنعاء وصعدة وذمار، حيث يُحتجز المئات من المدنيين، ويُمارس التعذيب والتجنيد القسري.
كما نبهت التقارير إلى أن الصمت الدولي إزاء هذه الانتهاكات يمنح الحوثيين وإيران فرصة لتوسيع نشاطهم التخريبي، محذّرة من أن استمرار هذا النهج سيحوّل اليمن إلى بؤرة إقليمية لتصدير الإرهاب العابر للحدود، بما يهدد أمن البحر الأحمر والخليج والمنطقة برمتها.
وفي ضوء هذه الوقائع، تبرز صفقات التبادل بين الحوثيين وتنظيم القاعدة كأحد أبرز مظاهر تداخل المصالح بين الإرهاب والسلطة المسلحة، حيث تُدار الملفات الأمنية بمنطق الصفقات لا بمقتضيات العدالة، وتُستغل الجماعات المتطرفة كأوراق مساومة في لعبة نفوذ تتجاوز الحدود اليمنية نحو مصالح إقليمية أوسع.



