من الحوثيين إلى طالبان.. سلطة متشددة تنكل بالسكان وتقطع عنهم المدد الدولي

عدن اوبزيرفر/متابعات:
صنعاء/كابول – بات نفور الأمم المتحدة وسائر المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية من العمل الإنساني والنشاط الإغاثي للسكان قاسما مشتركا يجمع بين اليمن وأفغانستان اللذين يجمع بينهما أيضا عدم استقرارهما وأوضاعهما الاقتصادية والاجتماعية المعقّدة ما يحتمّ حاجة سكانهما إلى المساعدت الأممية والدولية التي كثيرا ما ارتقت إلى مرتبة المساعدة على الحفاظ على الحياة ومكّنت هؤلاء السكان من الحصول على الحاجات الضرورية والحدّ الأدنى من الخدمات التي عجزت سلطات الحوثيين في اليمن وحركة طالبان في أفغانستان عن تأمينها لهم.
وعلى الرغم من التباعد العقائدي والأيديولوجي والسياسي لكلتا الحركتين، إلاّ أن ما يجمع بينهما هو تشدّدهما الذي لم يوفّر حتى الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية التي باتت تلاقي المزيد من الصعوبات في القيام بمهامها والاضطلاع بدورها الإنساني في أفغانستان والمناطق اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين الذين يقيمون سلطة موازية للسلطة اليمنية المعترف بها دوليا مركزها عاصمة البلاد صنعاء.
وخسر جزء كبير من سكان المناطق اليمنية الخاضعة للحوثيين خدمات منظمتي الصحة العالمية والأمم المتحدة للطفولة اليونيسيف بسبب موجة من الملاحقات والاعتقالات تعرّض لها الموظفون الأمميون العاملون في صنعاء على خلفية اتهامات لهم من قبل جماعة الحوثي بالتجسس لمصلحة إسرائيل والولايات المتحدة، بينما فقد السكان الأفغان في مناطق الحدود مع إيران خدمات المنظمة الأممية وشركائها الدوليين العاملين في المجال الإنساني بعد الإعلان عن وقف تلك الخدمات بسبب تشدد سلطات طالبان إزاء الموظفات الأفغانيات العاملات ضمن الهيئات الأممية والدولية وتضييقاتها عليهن لأسباب عقائدية ودينية تتعلّق بالمنظور المتشدّد للحركة إزاء المرأة وحقوقها.
ولا تمنع اعتداءات الحوثيين على الموظفين الأمميين الجماعة من الاحتجاج على قرارات الأمم المتحدة الهادفة إلى حماية منتسبيها. وفي هذا الإطار انتقدت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان التابعة للحوثيين في قرار اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية معتبرة في بيان “أن هذه الخطوة غير المسبوقة، تهدد بإغلاق أكثر من ألفي وحدة صحية و72 مستشفى، إلى جانب توقف إمدادات الوقود والأكسجين والأدوية والمحاليل الطبية، وتعليق برامج التغذية العلاجية لمئات الآلاف من الأطفال والنساء، إضافة إلى تعطيل برامج مكافحة الأوبئة.”
واعتبرت الهيئة أن هذا الإجراء “عقوبة جماعية صريحة ضد المدنيين ويستهدف 80 في المئة من السكان، من بينهم نحو مليوني حالة سوء تغذية، بينها 600 ألف حالة حادة.”
وقالت إنّ “هذا الإجراء انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني وتسييس فاضح للعمل الإنساني تحت ذرائع أمنية واهية، ما يضع الملايين من اليمنيين أمام كارثة إنسانية وشيكة.”
وأضافت “لا يجوز حرمان المواطنين من الخدمات الصحية الأساسية لأيّ سبب كان،” مطالبة بالحفاظ على حيادية العمل الإنساني والارتكاز على الاحتياجات الإنسانية دون أيّ تسييس.”
ودعت إلى حماية الأطفال والنساء والمرضى وكبار السن والفئات الأكثر ضعفا، مشيرة إلى أن “هؤلاء هم الفئات الأكثر تضررا من هذا القرار، وأن التدخل الإنساني العاجل أصبح ضرورة ملحة لضمان سلامتهم وحياتهم.”
كما حثت منظمتي الصحة العالمية واليونيسيف وكافة المنظمات الدولية على مراجعة موقفها فورا واستئناف تقديم المساعدات الصحية دون أيّ تأخير أو شروط سياسية، “لضمان استمرار الخدمات الطبية والحياة الكريمة للمواطنين.”
وحذرت من “العواقب الوخيمة التي تهدد حياة الملايين من اليمنيين، خاصة الأطفال والنساء وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة نتيجة هذا القرار.”
وحمّلت الهيئة في بيانها المجتمع الدولي “المسؤولية الكاملة عن أيّ أزمة إنسانية تنتج عن هذا القرار” الذي جاء عقب حملة اقتحامات نفذتها جماعة الحوثي ضد مقار منظمات تابعة للأمم المتحدة في صنعاء، اعتقل خلالها أكثر من خمسين موظفا محليا وصودرت أجهزة وممتلكات خاصة.
ودعا المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، في وقت سابق، إلى الإفراج عن موظفي الأمم المتحدة المحتجزين لدى الحوثيين، مؤكدا أن استمرار احتجازهم يعقد قدرة الأمم المتحدة على تنفيذ عملها الإنساني ويعيق الجهود المبذولة لدفع عملية السلام في اليمن قدما.
ويشهد اليمن صراعا بين السلطة اليمنية المعترف بها دوليا والحوثيين الذين استولوا على العاصمة صنعاء في أواخر عام 2014، خلّف واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية في العالم وسط تحركات أممية مستمرة لتحقيق السلام.
وفي أفغانستان علقت وكالات الأمم المتحدة وشركاؤها العاملون في المجال الإنساني في وقت سابق من الأسبوع الجاري كل عملياتها على الحدود مع إيران، بعدما شددت سلطات طالبان قيودها على الموظفات الأفغانيات لمنعهن من دخول المنطقة للعمل.
وقال منسق العمليات الإنسانية للأمم المتحدة في أفغانستان إندريكا راتواتي لوكالة فرانس برس “علقت الأمم المتحدة وشركاؤها الإنسانيون العمليات في مركز إسلام قلعة الحدودي بين أفغانستان وإيران إثر فرض قيود إضافية تمنع الموظفات المحليات في الأمم المتحدة وشركائها من العمل على الحدود.”
وبحسب مصادر أممية عدّة فقد جاء ذلك عقب اجتماع عُقد الاثنين مع مسؤولين في حركة طالبان.
ولم يوضح راتواتي طبيعة هذه القيود لكنه حذر بأنها تطرح “تحديات آنية في مجال العمليات ومخاطر إضافية على الأشخاص العائدين، وخصوصا النساء والفتيات.”
وأوضح أن أكثر من 60 في المئة من المهاجرين العائدين من إيران من خلال معبر إسلام قلعة نساء وأطفال. وأكد أنه “دون موظفات، لا يمكننا مساعدة النساء والأطفال العائدين في ظروف من الكرامة والاحترام،” مشيرا إلى محادثات جارية مع سلطات طالبان من أجل التوصل إلى حل.
وقالت موظفة أفغانية في إحدى وكالات الأمم المتحدة في هرات، المدينة الكبرى القريبة من الحدود، إنّه “لن تُقدَّم أيّ خدمات بداية من الثلاثاء للمهاجرين، لا في إسلام قلعة ولا في مخيم أنصار في هرات.”
وأكد مصدر في منظمة إنسانية توقّف أنشطة منظمته غير الحكومية الثلاثاء في إسلام قلعة. وفي منتصف سبتمبر الماضي، اضطرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى تعليق المساعدات المقدمة للمهاجرين الأفغان في مراكز توزيع المساعدات النقدية التابعة لها.
وبررت المفوضية هذا القرار باستحالة إجراء مقابلات وجمع معلومات عن 52 في المئة من المهاجرين العائدين إلى البلاد، وهن نساء، “من دون وجود موظفات.”
وكانت كابول حظرت عام 2022 على المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية توظيف أفغانيات، ثم وسّعت نطاق هذا الحظر ليشمل الأمم المتحدة، فيما سمحت للنساء بالعمل في بعض القطاعات أو العمل عن بعد.
وتلزم الأفغانيات العاملات في الأمم المتحدة منذ شهرين بالعمل من منازلهن، لكن ما زال بإمكان بعض المنظمات غير الحكومية إرسال موظفاتها للعمل ميدانيا.
وإسلام قلعة هو المعبر الرئيسي للأفغان الذين يتم طردهم أو إعادتهم من إيران، ومر منه حوالي 1.2 مليون شخص عام 2025، وفق أرقام الأمم المتحدة.
وعاد في الإجمال 2.2 مليون أفغاني إلى بلادهم منذ مطلع العام، بينهم 1.7 مليون عادوا من إيران بحسب الأمم المتحدة. إلى ذلك تُنفّذ باكستان، وهي دولة مجاورة أخرى، حملة طرد للأفغان منذ العام 2023.



