شؤون محلية

من عدن إلى الوازعية.. مشروع خفي لإسقاط المقاومة الوطنية والقوات الجنوبية من داخلهما


من عدن إلى الوازعية.. مشروع خفي لإسقاط المقاومة الوطنية والقوات الجنوبية من داخلهما

> عدن اوبزيرفر «الأيام» وهيب الحاجب:
“أمجد الدار وعلقمي الوازعية” مشروع إرهاب يقتضي”قوات ردع” مشتركة بين عدن والساحل
الزبيدي وطارق أمام مسؤولية لتجاوز “محاصصة السياسة” إلى شراكة المصير ومواجهة التحديات
> تشير الأحداث الأمنية الأخيرة بعدن والساحل الغربي حيث تتمركز أكبر قوتين في معسكر الشرعية وهما القوات المسلحة الجنوبية وقوات المقاومة الوطنية التي يقودها طارق صالح.. تشير المستجدات في المنطقتين إلى ظهور حركات تمرد وانشقاق مسلحة لا تبدو عفوية، إذ تكشف كثير من الأدلة الاستخباراتية والميدانية إلى أنها تنفيذ لمخطط محكم يُدار من غرف عمليات في صنعاء ويهدف إلى إسقاط الشرعية من خلال إشعال حرب بينية داخلها والعمل على تعبئة وتحريض ضد القوات المسيطرة على الأرض.

صنعاء تنظر إلى هذه التمردات باعتبارها سلاحًا منخفض التكلفة وعظيم التأثير، فهي لا تحتاج إلى زجّ الآلاف من عناصرها في معارك مفتوحة، بل تكتفي بإطلاق شرارة داخلية تخلخل صفوف الشرعية أو المجلس الانتقالي أو المقاومة الوطنية، ثم تترك الفوضى تتمدد كالنار في الهشيم، وهي استراتيجية حوثية، منبثقة من العقيدة العسكرية الإيرانية في “الحرب الهجينة”، عبر استخدام أدوات غير تقليدية لتحقيق أهداف استراتيجية كبرى.

الرأي العام وحتى بعض المؤسسات الأمنية الرسمية تتعامل أحيانًا مع هذه الأفعال وتراها على أنها خلافات داخلية أو صراعات نفوذ، غير أن القراءة الأمنية الاحترافية تكشف أن هذه التمردات تُدار من مرجع واحد وتُحرك بهدف واحد هو خلخلة التوازن داخل جبهات الشرعية وتفتيت القوة التي بمقدورها أن تقف في وجه المشروع الحوثي في أي تسوية سياسية قادمة أو تكسره عسكريا.
علقمي الساحل الغربي
منطقة الوازعية التي كانت حتى وقت قريب منطقة تماس ذات حساسية محدودة، تحوّلت إلى واحدة من أخطر بؤر الصراع غير المباشر بين الحوثي وقوات المقاومة الوطنية، حيث يقود المنشق على المقاومة الوطنية أبو ذياب العلقمي منذ شهور آخرها أمس وأمس الأول هجمات مسلحة ضد قوات طارق صالح، هجمات ليست ذات طابع قبلي أو ثأر أو نزاع قبلي كما يحاول البعض تصويرها، بل هجمات تحمل بصمات واضحة لعمليات منظمة تتلقى دعمًا وتوجيهًا مركزيًّا.

تمكّن المسلحون من إسقاط طائرة مسيرة والسيطرة على مواقع إضافة إلى الأسلحة المستخدمة ونمط التحشيد والطريقة التي تتحرك بها جماعات العلقمي، توحي جميعها بأن صنعاء قد وجدت في الرجل وأمثاله ثغرة جاهزة لتصدير الفوضى إلى الساحل الغربي، فالساحل يمثّل بالنسبة للحوثيين “جبهة محرجة” لا يمكنهم إسقاطها أو إضعافها عسكريًّا بسهولة لوجود قوات مدربة ومنظمة وذات دعم إقليمي، ولهذا لجأ الحوثيون إلى خلق تهديد داخلي يعفيهم من تكلفة المواجهة المباشرة، أي أن تمرد العلقمي لا يستهدف المواقع العسكرية فحسب، بل يستهدف بنية الثقة داخل وحدات المقاومة الوطنية نفسها، ويعمل على خلق حالة شك دائم في الولاءات، بحيث يصبح أي تحرك أو انتشار ميداني مهددًا بالاختراق.

التحليل الأمني لهذه الواقعة وما سبقها من عمليات ضد المقاومة الوطنية يقود إلى استنتاج واضح مفاده أن الحوثيين يحاولون عبر هذه الهجمات تقويض إمكانية بناء أي قوة شمالية قادرة على أن تكون ندًّا لهم في المستقبل. فجماعة الحوثي تدرك أن قوات طارق صالح تمثّل نموذج القوة الأكثر تنظيمًا في الشمال وأنها القادرة على إعادة التوازن في حال توفرت الظروف المناسبة؛ ولذلك يستثمر الحوثيون اليوم في ضرب هذه القوة عبر وكلاء محليين تُدار عملياتهم من صنعاء، وتُغذى بخطاب إعلامي موجه، وتُقدم لهم التسهيلات اللازمة للتحرك والتخفي وخلق بيئة مواتية للاشتباك.

استمرار هذا النهج دون مواجهة مشتركة سيحوّل مناطق الساحل إلى بيئة شبيهة بالمناطق التي سقطت سابقًا بفعل التمردات الداخلية، وسيمنح الحوثيين فرصة لإضعاف المقاومة الوطنية دون إطلاق رصاصة واحدة من جبهاتهم المباشرة.
أمجد خالد وخلايا عدن
في الميدان الجنوبي يتكرر النموذج ذاته ولكن بثقل أكبر، حيث تُستخدم خلايا الإرهابي المطلوب أمنيًّا أمجد خالد كأداة لخلق بيئة توتر داخل العاصمة عدن والمناطق المحيطة بها. هذه الخلايا لا تعمل بشكل عشوائي، ولا تتحرك بدافع خلاف سياسي، بل تتحرك ضمن خطة واضحة تهدف إلى إرباك المشهد الأمني الجنوبي، واستهداف القوات التي تمثل صمام الأمان في مواجهة تمدد الحوثيين.

خطورة عمليات أمجد خالد تكمن في أنها تجمع بين ثلاثة عناصر متزامنة: الأول: نشاط تخريبي مباشر يتمثل في زرع العبوات أو تنفيذ الاغتيالات أو استهداف الدوريات. والثاني: خطاب تحريضي يقدمه أمجد خالد عبر وسائل متعددة بهدف تصوير الجنوب وكأنه منطقة محتلة تتطلب ثورة لتحريها، في محاولة لتحريض مناصرين أو خلق بيئة شعبية وهمية. والثالث: وهو الأخطر، وجود قنوات تمويل وتوجيه حوثية ثابتة تعطي لهذه الخلايا القدرة على الاستمرارية حتى في أوقات التضييق.

عدن بالنسبة للحوثيين هي رمز للدولة الجنوبية القادمة وما تمثله هذه الدولة من خطر على مشروع إيران في المنطقة، كما أنها، أي عدن، معقل الشرعية ومركز ثقل سياسي وأمني وبالتالي فإن استهدافها عبر خلايا محلية متحالفة مع تنظيمات إرهابية هو جزء من مشروع أكبر يهدف إلى منع تشكل نموذج دولة جنوبية مستقرة تستطيع الصمود أمام عمليات الاختراق السياسي أو العسكري. تمامًا كما فعل الحوثيون في مناطق الشمال قبل سقوطها، يحاولون اليوم خلق حالة من التمزق والشق المناطقي والصراع الداخلي في عدن عبر عمليات غير مكلفة تستهلك الأجهزة الأمنية وتربك الشارع وتعيد تدوير التوتر بمسميات وشعارات مغلفة بمزاعم تهميش وإقصاء.

القراءة الاستخباراتية تشير إلى أن هذه العمليات تُدار من غرفة عمليات مشتركة في صنعاء مرتبطة بتنظيمات إرهابية فوضت جماعة الحوثي بمهمة التمويل والإشراف لتحقيق أهداف هي القاسم المشترك بين الحوثيين والجماعات الإرهابية، وهذا يعني أن العمليات ليست معزولة بل جزء من مشروع متكامل يستهدف الجنوب بنفس القدر الذي يُستهدف به الساحل الغربي.
قوة ردع مشتركة
التهديدات التي تواجهها القوات الجنوبية وقوات المقاومة الوطنية اليوم ليست تهديدات تقليدية يمكن التعامل معها عبر التعزيزات العسكرية فحسب؛ لأن الواقعين في عدن والساحل الغربي أمام حرب لا متماثلة تعتمد على التمرد المحلي والاختراق الأمني وتغذية الانشقاقات وإطلاق خلايا إرهابية من داخل مناطق الشرعية نفسها؛ لهذا يحتاج الرد إلى تغيير جذري في شكل التنسيق الأمني والعسكري بين عدن والساحل.

مخاطر المشروع الحوثي وأدواته الجديدة تقتضي من المقاومة الوطنية والقوات الجنوبية أن لا يكونا قوتين منفصلتين تجمعهما الشراكة السياسية بقدر ما هو مطلوب وضروري أن يكونا قوة واحدة وبمثابة خط الدفاع الأخير ضد مشروع الحوثي الذي يستهدف الجميع؛ ولهذا يصبح التنسيق بين عدن والساحل، بين الزبيدي وطارق، بين الجنوب والشمال ضرورة استراتيجية قصوى لا خيارا وبعيدا عن محاصصات السياسة أو مشاريع النفوذ والسلطة التي ينشدها كل طرف.. وهذا كله يتطلب بالضرورة إنشاء منظومة تبادل معلومات استخباراتية فورية، وربط غرف العمليات ضمن قناة اتصال مشتركة، وتوحيد البيانات حول المطلوبين والخلايا النشطة، وتفعيل دور فرق الاستطلاع والمراقبة في المناطق التي تُعتبر بؤرة محتملة للتمرد على طول الساحل الغربي من أطرف الحديدة مرورا بعدن ولحج إلى الساحل الشرقي على أطراف حضرموت.
قوة ردع مشتركة
من الضروري الذهاب أبعد من التنسيق العملياتي واللوجستي وتبادل المعلومات عبر تشكيل قوة ردع مشتركة تضم عناصر مختارة من المقاومة الوطنية والقوات الجنوبية، تعمل كقوة مهام خاصة للتدخل السريع، وتكون قادرة على التحرك بين مناطق الساحل والجنوب دون قيود، هذه القوة المفترضة يجب أن تمتلك بنية استخباراتية خاصة بها، وقدرة على رصد بؤر الإرهاب والتخريب قبل تمددها، والتحرك لمنع أي تمرد أو خلية إرهابية من التوسع، وبالتالي فإن إيجاد قوة مشتركة كهذه سيمنح الشرعية ورقة قوة جديدة، ويغلق الفجوة التي يتسلل منها الحوثيون لصناعة وكلاء جدد أو توظيف الجماعات الإرهابية واستغلالها وبناء أي تحالفات معها تستهدف بنية الشرعية وقبل ذلك تستهدف مشروع الدولة الجنوبية في عدن وآمال استعادة الدولة ومؤسساتها في الشمال.

في المحصلة إن مستقبل المواجهة مع الحوثيين لن يُحسم فقط في جبهات مأرب أو الضالع أو الساحل الغربي، بقدر ما يكون الحسم الحقيقي أولا في قدرة القوى المناهضة للجماعة على منع الاختراق الداخلي وإغلاق مسارب التمرد قبل أن تتحول إلى كرة نار تهدد المشروعين الجنوبي والشمالي على حد سواء.. فإذا لم تتعامل الشرعية والانتقالي والمقاومة الوطنية بجدية مع هذه الحرب غير المعلنة فإن الحوثي سيستمر في هندسة الفوضى واستخدام الإرهاب حتى يجد نفسه أمام خصوم منهكين من الداخل قبل أن يكونوا عاجزين من المواجهة المباشرة.

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى