بعد ذريعة غزة… الحوثي يبحث عن خارطة طريق خاصة به

بعد ذريعة غزة… الحوثي يبحث عن خارطة طريق خاصة به
كتب/د. عبدالحفيظ عبدالرحيم
وهم القوة هو كل ما تبقى للحوثي
في السابق، امتنعت المملكة العربية السعودية عن المشاركة في عملية “حارس الازدهار”، مشترطة وقف الحرب على غزة كشرط أساسي. أما اليوم، فقد تولّت دورًا قياديًا في تعزيز جاهزية الأسطول الغربي، وتوحيد جهود القتال المشترك، كما رعت مناورات “الموج الأحمر 8” البحرية المختلطة، بمشاركة قوات برية وبحرية من عدة دول مطلة على البحر الأحمر، شملت الأردن، مصر، جيبوتي، السودان، واليمن. وتضمنت التدريبات مكافحة الغواصات، والحرب الإلكترونية، والحروب السطحية والجوية المضادة، وعمليات الأمن البحري والتصدي للزوارق المسيّرة، إضافة إلى فرضيات ميدانية في عمليات الإنزال البحري، والدفاع عن الساحل، ومكافحة الإرهاب، بهدف ردع أي تهديدات إقليمية مشتركة، ورفع مستوى التنسيق في تبادل المعلومات الاستخباراتية والأمنية التي تسهم في حماية الأمن البحري الإقليمي.
استوعب الحوثي هذه الرسائل، وأدرك أنه لن يكون بمقدوره القيام بأي أعمال تهدد أمن ممرات البحر الأحمر تحت أي ذريعة، تماشيًا مع قرار مجلس الأمن الذي صوّت عليه 13 عضوًا، مع امتناع الصين وروسيا عن التصويت دون استخدام الفيتو، ما أدى إلى تجديد العقوبات على الحوثي لعام إضافي. ويدعو القرار الدول إلى زيادة جهود مكافحة تهريب الأسلحة والمكونات برًا وبحرًا لضمان تطبيق الحظر المفروض عليه، خصوصًا وأن إيرادات قناة السويس سجلت ارتفاعًا بين يوليو وأكتوبر 2025 بنسبة 14.2%، بعد أن شهدت انخفاضًا بنحو 55% في عدد السفن، و62% في العوائد خلال الأشهر الستة الأولى من العام نفسه.
يسعى الحوثي إلى إنشاء مركز لحركة المرور البحرية لمراقبة واستجواب جميع السفن المارة، على غرار المركز الذي يديره الحرس الثوري الإيراني في مضيق هرمز، مستندًا إلى حادثة احتجاز سفينة “جالكسي” في 19 نوفمبر 2023، كجزء من استهدافه للشحن البحري.
انكشاف الحوثي أمام إسرائيل مسّ صورته أمام مناصريه، الذين كانوا يرونه قوة عصية على الاختراق، حتى أصبحت الجماعة منهكة، وإيران بدورها مترهلة، غير قادرة على تقديم الدعم، وتعيش حالة قلق نتيجة الضغط الشعبي، وتعاني ضائقة مالية دفعتها إلى الجبايات. وللهروب من استحقاق الرواتب، يروّج في أدوات التواصل الاجتماعي أن الرواتب تُصرف من البنك الأهلي السعودي.
ورغم ذلك، تتشبث الجماعة بالجانب العسكري، في وقت يختلف فيه الوضع الإقليمي عما كان عليه قبل حرب غزة، وهو ما لا يصب في صالح الحوثيين. ولن تقبل السعودية أن يتحول الحوثي إلى “حزب الله” في خاصرتها، وهو يرعى مشروعًا عابرًا للحدود، وكيانًا طائفيًا غريبًا عن هوية اليمن، يعمل على تمزيق البلاد خدمة لمشاريع إقليمية، بعدما استثمر ثورة 2011، وتحالف مع علي عبد الله صالح، وتسلم سلاح الدولة، وامتنع حزب الإصلاح عن مواجهته عسكريًا، ومنع الغرب التحالف العربي بقيادة السعودية من تحرير الحديدة عام 2018، واستبدل ذلك باتفاق استكهولم. لكن العالم اليوم تغيّر تمامًا، ولم يعد في مصلحة الحوثي.
حدثت تهدئة بعد خارطة الطريق نتيجة محادثات سلام ثنائية بوساطة عمانية، تحت رعاية الأمم المتحدة في 29 مارس 2022، رحبت بها السعودية ومدّت يدها للحوثيين، واستقبلت وفدًا منهم، كما استقبلت صنعاء السفير السعودي في اليمن. لكن اليوم، بعد غزة، يسعى الحوثي إلى فرض خارطة طريق خاصة به، تقوم على إقصاء الشرعية وتهديد السعودية، أي فرض أمر واقع قبل الجلوس على طاولة المفاوضات.
يريد الحوثي اتفاقًا عسكريًا مع السعودية كأمر واقع، وتفاهمات سياسية داخلية تحت إدارته، مع تحييد مجلس القيادة الرئاسي. ولم يتوقف عند ذلك، بل عاد إلى شن هجمات في محافظة الجوف ومديرياتها المختلفة، وفي تعز، والضالع، ومأرب، لكن تم صد هذه الهجمات، وكانت اختبارًا لقوة الشرعية العسكرية المدعومة من التحالف، التي أثبتت أنها ليست فقط قادرة على صد الحوثيين، بل على تحرير صنعاء، رغم أن السعودية تفضل الحل السلمي.
هناك تعبئة حوثية متصاعدة تحت مزاعم الاستعداد لمواجهة إسرائيل، واستعراضات مسلحة يومية في المدن والأرياف الخاضعة لها، تحت شعار “الجاهزية لمواجهة إسرائيل”، وهو ما يعني اتجاه الجماعة نحو نسف التهدئة المستمرة مع الحكومة اليمنية منذ أبريل 2022.
وترى الحكومة اليمنية حالة ارتباك وإرباك في صفوف الحوثيين، خصوصًا بعد الضربات العسكرية التي تلقتها الجماعة خلال العامين الماضيين، والخسائر البشرية الكبيرة، خصوصًا في صفوف قياداتها العقائدية، ما أسهم في إرباك بنيتها التنظيمية، وتراجع قدرتها على الحشد، ونتج عنه ضعف داخلي يعاني منه الحوثي.
التحشيد ليس عن قوة، لا سيما بعد توقف الهجمات الخارجية، وفشل الجماعة في استثمار الورقة الإقليمية لصالح مشروعها المحلي، بالتزامن مع الجهود الدولية في تجفيف منابع تمويل وتسليح الميليشيا، وهو ما دفعها إلى استعراضات شكلية.
السعودية تراهن على أن القبيلة اليمنية، بتاريخها ودورها الوطني، لن تكون في صف “الإماميين الجدد”، ولن تقبل أن تكون جزءًا من المشروع الإيراني الهادف إلى ابتلاع اليمن وتحويله إلى منصة تهدد الأمن الإقليمي، خصوصًا ضد السعودية.
وتاريخيًا، كانت القبيلة الخطر الأكبر على المشروع السلالي للجماعة، وهو ما دفع الحوثي إلى اعتقال رموز قبلية بارزة، واقتحام مناطقهم، ومصادرة ممتلكاتهم، وتفجير منازل العديد منهم.
ووفق آخر تقرير حقوقي، انتهك الحوثيون أكثر من خمسة آلاف دار عبادة، منها 900 مسجد لتحفيظ القرآن، وارتكبوا عمليات تهجير بحق السلفيين، خصوصًا في مديريات طوق صنعاء، ومحافظات عمران، وذمار، والبيضاء، وحجة، والمحويت، في انتهاكات تُعد دليلًا دامغًا على السياسة الانتقامية التي ينتهجها الحوثي تجاه القبائل.العرب
د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى سابقا



