عن الأمن البحري المضطرب في البحر الأحمر والخليج والتهديدات المتزايدة

د. هشام القروي
تفاقم اضطراب الأمن البحري في البحر الأحمر والخليج العربي بعد اندلاع القتال بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة في حزيران – يونيو 2025، الذي استمر اثني عشر يومًا. والآن، هناك وقف إطلاق نار هش، واستعداد عسكري أكبر، وتهديدات بمزيد من العنف. تواجه أهم طرق الشحن لنحو 35 في المائة من النفط الخام المنقول بحراً في العالم و20 في المائة من الغاز الطبيعي المسال تلاقياً غير مسبوق بين الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، ما قد يعطل التجارة الدولية.
وقد أدت الحرب التي بدأت في 13 حزيران – يونيو 2025 إلى تغيير كبير في طريقة سير الأمور في المنطقة. استهدفت العملية الإسرائيلية المجمعات النووية الإيرانية في نطنز وأصفهان. من ناحية أخرى، استخدمت الولايات المتحدة قاذفات شبحية من طراز B-2 Spirit ضد مصنع التخصيب في فوردو كجزء من عملية “مطرقة منتصف الليل” (Midnight Hammer) في 22 تموز – يونيو. وردت إيران بإطلاق صواريخ بالستية على قواعد عسكرية إسرائيلية وأمريكية، وأصابت قاعدة العُديد الجوية في قطر.
أنهى وقف إطلاق النار في 24 تموز – يونيو 2025 القتال المباشر، لكنه لم يعالج مشاكل الأمن البحري. درس القادة العسكريون الإيرانيون بعناية قوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإسلامي في جزر الخليج العربي المهمة، بما في ذلك أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى وسيري. وهذا يدل على التزامهم بالحفاظ على قدراتهم الرادعة. وتُظهر عمليات التفتيش، التي تم تكثيفها في أيلول – سبتمبر وتشرين الثاني – نوفمبر 2025، أن طهران لا تزال تركز على بسط قوتها البحرية.
لا يزال مضيق هرمز أخطر مكان بالنسبة لأمن الطاقة العالمي. وقد يكون لتهديد إيران بإغلاق المضيق في 14 تشرين الثاني – نوفمبر 2025 آثار مروعة، مثل وقف الشحن اليومي لحوالي 15.6 مليون برميل من النفط من المنتجين الإقليميين ورفع أسعار خام برنت من مستواها الحالي البالغ حوالي 85 دولارًا إلى 150-200 دولارًا للبرميل.
بعد القتال الذي اندلع في حزيران – يونيو، ارتفعت أسعار تأمين مخاطر الحرب بنسبة 100 في المائة، لتصل إلى 0.5 في المائة من قيمة هيكل السفينة لرحلات مدتها سبعة أيام في الخليج. في 14 تشرين الثاني – نوفمبر 2025، أوقفت القوات البحرية للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط تالارا التي ترفع علم جزر مارشال في مضيق هرمز. وهذا يدل على أن طهران مستعدة لاستخدام الحظر البحري الموجه كوسيلة لإرسال إشارات استراتيجية. في نفس الوقت، تؤدي الحرب الإلكترونية إلى تفاقم هذه المشاكل. تقول السفن إن إشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) ونظام التعرف الآلي القادمة من الموانئ الإيرانية تتعرض “لتشويش شديد.”
منذ نوفمبر 2023، جعل الهجوم البحري للحوثيين المدعوم من إيران التجارة في البحر الأحمر صعبة للغاية. واضطرت السفن الكبيرة إلى الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح في أفريقيا، مما أضاف أسبوعين إلى مدة التسليم. هاجمت الجماعة حوالي 110 سفينة بين كانون الثاني – يناير 2024 وتشرين الثاني – نوفمبر 2025، وأغرقت خمسا منها، وقتلت ما لا يقل عن تسع بحارة. أظهرت الهجمات على السفينتين Magic Seas و Eternity Cفي تموز – يوليو 2025 قدرات متعددة المجالات متطورة بشكل متزايد، مثل تكتيكات الصعود المتزامنة، والسفن السطحية غير المأهولة، ووابل الصواريخ.
بعد وقف إطلاق النار في غزة في 10 تشرين الأول – أكتوبر 2025، قال قادة الحوثيين إنهم سيوقفون الهجمات. في رسالة مؤرخة في 8 نوفمبر، حذر رئيس أركان الحوثيين يوسف حسن المدني من أن إسرائيل إذا خرقت وقف إطلاق النار، فإن الجماعة “ستستأنف العمليات العسكرية” و”ستعيد فرض حظر الملاحة الإسرائيلية”. بعد تموز – يوليو، ارتفعت أقساط مخاطر الحرب في البحر الأحمر إلى 0.7-1.0 في المائة من قيمة الهيكل، وواجهت شركات الشحن تهديدات بخصوص تجديد العقود؛ لأنها لم تكن متأكدة مما سيحدث بعد ذلك.
أنشأت إيران “أسطولًا وكيلًا” باستخدام حزب الله اللبناني والحوثيين اليمنيين للتأثير في جميع أنحاء المحيط الهندي دون الحاجة إلى أسطول بحري تقليدي. يستخدم هذا التصميم طائرات مسلحة بدون طيار يمكنها الطيران لمسافة تزيد عن 950 كيلومترًا، وصواريخ كروز مضادة للسفن يمكنها إصابة أهداف على مسافة تصل إلى 120 كيلومترًا، وقدرات كاملة في مجال الألغام البحرية. وهذا يخلق تهديدات من اتجاهات متعددة يصعب الدفاع ضدها.
ردًا على ذلك، سَرّعَتْ دول مجلس التعاون الخليجي من خططها لتحديث أساطيلها البحرية. من خلال برنامج سراوات، حصل الأسطول الغربي للسعودية على طرادات من طراز الجبيل. وبدأت الإمارات العربية المتحدة مشروع “أبو ظبي البحرية” مع شركة CMN NAVAL الفرنسية، مما منح أبوظبي القدرة على صنع سفن حربية متطورة تستخدم الذكاء الاصطناعي. وفي 9 تشرين الثاني – نوفمبر 2025، بدأت المملكة العربية السعودية التدريبات البحرية الدولية “الموجة الحمراء 8” في قاعدة الملك فيصل البحرية. وشاركت في هذه المناورات قوات من الأردن ومصر وجيبوتي والسودان واليمن، مما يشير إلى تحسن التعاون بين دول المنطقة.
ولا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بوجود عسكري هام، حيث نشرت مجموعة حاملة الطائرات USS Abraham Lincoln في تشرين الثاني – نوفمبر 2025. أما الاتحاد الأوروبي، فكان بدأ عملية Aspides في شباط – فبراير 2024 التي من شأنها أن تحمي حوالي 476 سفينة بحلول يونيو 2025 من خلال توفير الحراسة الدفاعية والمراقبة البحرية في المضائق والممرات المائية الهامة. ويتولى أفراد البحرية الفرنسية القيادة بجانب القوارب الإيطالية واليونانية.
أما الصين وروسيا، فلا بد أن يحسب حسابهما. مثلا، بسبب علاقتها الجيدة مع إيران، يمكن للسفن الصينية أن تعبر البحر الأحمر بحرية، دون أن توقفها قوات الحوثيين. وتساهم روسيا في ذلك عن طريق إرسال بيانات الأقمار الصناعية للمساعدة في جمع المعلومات الاستخبارية. ويظهر هذا الانخراط خارج نطاق المنظمات التحالفية التقليدية أن هناك طرقًا أخرى للتعاون الاستراتيجي تستفيد من نقاط الضعف في أطر السياسة الغربية.
وإلى ذلك، فإن الآثار على الاقتصاد كبيرة. فقد تسببت هجمات الحوثيين في انخفاض عائدات قناة السويس بمقدار ستة مليارات دولار في عام 2024. وإذا ظل مضيق هرمز مغلقًا لفترة طويلة، فقد ترتفع أسعار النفط إلى 150-200 دولار للبرميل، مما سيؤدي إلى تضخم في الاقتصادات التي تعتمد على الطاقة وزيادة أقساط التأمين بشكل كبير.
ولا تزال حالة الأمن البحري غير مستقرة للغاية. فإذا فشل وقف إطلاق النار في غزة، من المؤكد أن يصعّد الحوثيون هجماتهم على السفن، وربما أكثر من ذي قبل. تشير الاستعدادات العسكرية المستمرة لإيران إلى احتمال تصعيد الموقف، في حين أن تدخل الصين وروسيا يربط أمن البحر الأحمر والخليج بالسياق الأوسع للتنافس بين القوى العظمى. والخلاصة أنه إذا فشلت الأطر الدبلوماسية في معالجة الأسباب الكامنة وراء الصراع، مثل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ومخاوف إيران بشأن الأمن الإقليمي، والتشرذم السياسي في اليمن، والتنافس بين القوى العظمى، فستظل الطرق البحرية الحيوية الضرورية للتجارة العالمية عرضة للاضطراب. وقد يكون لذلك تداعيات اقتصادية كبيرة تتجاوز حدود الشرق الأوسط.صحيفة العرب



