مقالات

معنى تصنيف «الإخوان» جماعة إرهابية

ضياء رشوان

استمع للمقال
النص المسموع تلقائي ناتج عن نظام آلي

لا شك في الأهمية غير المسبوقة لتوقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً، للبدء في مباشرة إجراءات تصنيف بعض من فروع جماعة الإخوان منظمات «إرهابية» أجنبية، وتحديداً في مصر والأردن ولبنان، ما يمهد بعدها لإخضاعها لما ينص عليه القانون الأميركي في هذا الشأن.

ويستلزم الوصول لهذا التصنيف، تقديم كل من وزارتي الخارجية والمالية، خلال ثلاثين يوماً، تقريراً عما إذا كان أي من فروع الجماعة تلك، يستوفي شروط اعتباره «إرهابياً»، على أن يصدر القرار النهائي بعدها في مدة أقصاها 45 يوماً أخرى.

وتتعدد الإجراءات التي يمكن أن تترتب على صدور القرار من الإدارة الأميركية تجاه فروع الجماعة تلك، ومن بينها تجميد الأصول المالية والحسابات البنكية، وحل الهيئات التابعة لها، وحظر دخول أعضائها، وصولاً إلى صدور أوامر بالقبض عليهم، والتعاون مع الدول الأخرى في كل هذا.

وقد أطلق أمر الرئيس ترامب التنفيذي فيضاناً لم يتوقف بعد من الكتابات والتحليلات، لدوافعه ودلالات توقيته، وما يمكن أن يترتب عليه، مع التركيز الكبير على الجوانب الأمنية والإجرائية لتلك الفروع من الجماعة، ولهيكلها الدولي بصفة عامة.
وليس هناك من شكوك حول أهمية كل هذه الجوانب على المستقبل القريب والبعيد لتحركات وأنشطة تلك الفروع الثلاثة لجماعة «الإخوان»، وربما على فروع أخرى قد تلحق بها في نفس التصنيف مستقبلاً، إلا أن الجوهر الأهم في عملية التصنيف الإرهابي التي أطلقها الرئيس الأميركي، يظل في حقيقته سياسياً في الأساس.

فالأخطر في هذا الأمر والتصنيف، هو أنه يضع الجماعة، وعلى الأقل حتى الآن فروعها الثلاثة، بصورة رسمية وقاطعة، للمرة الأولى، خارج الحسابات الأميركية للمستقبل السياسي في الدول الثلاث، مصر والأردن ولبنان، بعد أن ظلت منذ نحو نصف القرن بداخل هذه الحسابات بصور مختلفة، وإن كانت كلها لافتة، وأحياناً مهمة.

فبدون الدخول في تفاصيل لا حصر لها، فقد ظل رسم السياسات الأميركية طوال هذه العقود، وخصوصاً في مصر والأردن، يضع دوماً في اعتباره الوجود المؤثر لفروع الجماعة في الخريطة السياسية والاجتماعية الداخلية في كل منهما، ما أفرز، ولفترات طويلة، مصطلح «البديل»، الذي شاع في التقارير والتقديرات السياسية والدراسات البحثية، لوصف فروع الجماعة باعتبارها الأكثر جاهزية، والأقرب لاستبدال النظم الحاكمة فيهما.

ويبدو واضحاً أن الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ إطاحة المصريين بثورتهم العظيمة في 30 يونيو 2013، بهيمنة «الإخوان» على مقدرات البلاد، ثم انهيار تجربة حكمهم في تونس على إثرها، وتراجع قدراتهم وشعبيتهم في مختلف الدول العربية، وعلى رأسها مصر، قد اهتزت لديها بشدة نظرية «البديل الإخواني» للنظم القائمة فيها.

ويشير أمر الرئيس ترامب بتصنيف فروع الجماعة كمنظمات إرهابية، إلى أن «اهتزاز» الثقة الأميركية في هذا «البديل»، قد تحول إلى «يقين» كامل بضرورة إسقاطه من الحسابات الأميركية السياسية للأوضاع الداخلية في دول المنطقة، وبخاصة الدول الثلاث التي ستصنف فروع الجماعة فيها كإرهابية. وتحول الجماعة، أو بعض فروعها، وبخاصة منشأها ومركزها المصري، إلى إرهابية في التصنيف الأميركي الرسمي، يفتح الباب أمام مرحلة غير مسبوقة من القطيعة السياسية الأميركية معها، واستبعادها التام مستقبلاً من أي تصورات تضعها واشنطن للتفاعلات السياسية في هذه الدول على الأقل.

وقد كان هذا المعنى السياسي هو الأهم والمركزي الذي أدركته قيادة الجماعة المصرية في لندن، وعبّرت عنه في بيانها المطول الذي أصدرته، تعليقاً على أمر الرئيس ترامب.

فقد حاول البيان إعادة «مغازلة» الإدارة الأميركية، بتذكيرها بما كانت إدارات متعاقبة تراه مقومات لاعتمادها كـ«بديل»، بالادعاء أن «لها تاريخ طويل من المشاركة السلمية الاجتماعية والدينية والمدنية والسياسية، والتزمت بشكل صريح بالأنظمة الديمقراطية السلمية، وباحترام العمليات الدستورية، والمشاركة المدنية السلمية».

وكان الأخطر والأبرز في هذا البيان، هو محاولة النيل من الضربة القاضية التي قوضت أركان الجماعة، بإسقاط المصريين لحكمها لبلادهم، بالادعاءات النمطية المعتادة منها، مع الاضطرار للاعتراف العلني فيه بأن «الجماعة قد عملت خلال الفترة التي تولت فيها حكم البلاد عن كثب مع حكومة الولايات المتحدة، لتعزيز الاستقرار الإقليمي، ودفع الجهود الدبلوماسية من أجل إرساء السلام».

وحاول البيان في فقرته الختامية، إعادة الترويج للصورة الشائعة «القديمة» للجماعة في الأوساط السياسية والبحثية الأميركية، كجماعة التزمت منذ تأسيسها «بنهج الإصلاح الاجتماعي السلمي»، ورفضها القاطع «التطرف العنيف بجميع أشكاله».

هذا هو المعنى الأخطر لأمر الرئيس ترامب، والذي أدركه «الإخوان» مباشرة، وعرفوا جيداً أنه الفراق الذي غالباً لا لقاء بعده.

*نقلا عن “البيان”

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى