كتاب عدن

على أبواب الجنوب




احمد عبد اللاه

تفرض التحولات الكبيرة على الساحة الجنوبية كثيراً من النقاشات السياسية، وتفتح المجال لمعركة السرديات الإعلامية وقراءات بانورامية في البيئة الاقليمية و في مواقف داخلية وخارجية. وذلك أمر طبيعي في حالة وضع يُعدّ الأكثر ديناميكية في الوقت الحالي.

بين الإخوان والحوثي تشكّلت (كونفدرالية) إعلامية وسياسية غير معلنة، تتحرك داخل سياقات تشاركية تستند إلى محورين أساسيين:
الأول: اعتبار السعودية خصماً مشتركاً.
والثاني: ترسيخ فكرة إبقاء الجنوب تابعاً للشمال، بغضّ النظر عن طبيعة حاكم صنعاء أو منطلقاته الأيديولوجية.

الخمينية والإخوان، على اختلاف البنى العقدية، تنجحان في تنظيم تجاور تكتيكي متجدّد ومرن في مناطق معينة، وتتنافسان بحدة في مناطق أخرى، وكأنهما تعيشان وفق قاعدة إقليمية غير مكتوبة، طالما أن بعض المجال العربي نفسه بات أرضاً مفتوحة للتجريب.

خلال العقد الماضي جرت محاولات لتفكيك البنية السياسية للشرق الأوسط تحت شعارات الربيع العربي وصولاً إلى تأزيم المشهد الخليجي ذاته، وكان الهدف النهائي موجهاً نحو إضعاف المملكة العربية السعودية، وهو هدف ما يزال يجمع الإسلام السياسي السني ممثلاً في الإخوان، ونظيره الشيعي المتمثل في المدرسة الخمينية.

التقاربات الحالية بين أقطاب المنطقة وداخل الأسرة الخليجية، لا تعكس توافقاً نهائياً بقدر ما تعبّر عن تغيير في مستوى حركة التروس داخل الآلة الإقليمية، نتيجة متغيرات الشرق الأوسط وما فرضته من إعادة توزيع الأدوار.

في هذه البيئة الإقليمية المتحوّلة تتحرك قضية الجنوب بوتيرة غير مسبوقة، لا سيما بعد التطورات الأخيرة، وسط حالة عداء مستميت من تيارات الإسلام السياسي التي خلخلت البنى الاجتماعية العربية. وفي المقابل تتباين مواقف دول الخليج، إذ لم تحسم الرياض بعد أمرها من استعادة دولة الجنوب، فيما تبقى حساباتها محاطة بقدر من الغموض. وقد يعود ذلك إلى أولويات و التزامات متداخلة، أو إلى تقييمات داخلية تجعل خيار الدولة الجنوبية مؤجلاً ريثما تنضج شروطه الإقليمية والداخلية.

وعند جمع تلك العناصر يمكن قراءة موقف المملكة، وهي صاحبة التأثير الأكبر في محيطها وخارجه، بأنه نابع من خشيتها تجاوز اطار مهامها في عاصفة الحزم عبر إظهار دعم مباشر لاستقلال الجنوب. وهذا لا يعني أن على الجنوبيين قراءة الموقف وكأنه حالة استراتيجية ثابتة، بل يمكن تفسيره ضمن منطق إدارة الأزمات وتراتبية الأهداف، حيث تتحرك الدول وفق اعتبارات مرحلية تتبدل بتغيّر الظروف على الأرض.

تنظيمات الإسلام السياسي والدول الداعمة التي فرضت حالات تشظّي في غير دولة، تحاول إسقاط مصطلح “تقسيم اليمن” لصدّ تطلعات الجنوب نحو استعادة دولته، وجعله فزّاعة في وجه دول إقليمية. وهذا أمر تحاول المؤسسة الإعلامية لتنظيم الإخوان وفروعها تثبيته في الذهنية العربية، بالرغم من يقظة النخب العربية والخليجية، أو بعضها، لتاريخ الجنوب السياسي، خاصة وأن تراجيديا الوحدة وحرب 94 ما تزال عالقة في الضمير الإنساني.

عودة الدولة الجنوبية المستقرة لا تمثّل فقط ضرورة جنوبية، بل حاجة استراتيجية للإقليم والمجتمع العربي والدولي. ليس هذا فحسب ولكن للشمال ذاته، كي يتفرغ لشؤونه ومستقبله بدل أن يظل عالقاً خلف وهم الوحدة وبين كماشة التيارات الدينية، إخوانية كانت أو حوثية، إلى أجل غير معلوم. فالشمال لديه ما يكفي من موارد مختلفة وكبيرة تغنيه عن الهوس السياسي بالهيمنة تحت شعارات عفا عليها الزمن.

وعلى أي حال، يتعيّن على الجنوبيين الحفاظ على علاقة قوية مع الإقليم وفي المقدمة المملكة السعودية، وقبل ذلك ترسيخ الشراكة الداخلية ودراسة الخطوات القادمة بموضوعية، إلى جانب تبني خطاب فاعل ومطمّن للداخل والخارج.

أحمـــــــــــد عبد اللاه

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى