كتاب عدن

من نصر أغسطس إلى مأزق الشراكة .. هل تُهدر الفرصة الجنوبية مرةً أخرى؟


—————————————————————
✍️عقيد/ محسن ناجي مسعد (ابو د.رمزي)

لقد شكّلت الانتصارات العظيمة التي سطّرت القوات المسلحة الجنوبية ملاحمها في أحداث أغسطس 2019م محطةً مفصلية في مسار القضية الجنوبية، إذ فتحت تلك الانتصارات أفقًا سياسيًا واسعًا كان من شأنه أن يُتوَّج بإعلان قيام الدولة الجنوبية المنشودة، بوصفه ترجمةً طبيعية وحقيقية للمكاسب العسكرية والميدانية التي تحققت بدماء وتضحيات أبطال الجنوب.

غير أن تلك الانتصارات تمّ احتواؤها سياسيًا عبر اتفاق الرياض، الذي أعاد الاعتبار لما يُسمّى بالشرعية، باعتبارها نظام احتلال، وفتح لها أبواب الجنوب على مصراعيها، بعد أن كانت القوات الجنوبية قد طردتها شرَّ طردة من عدن وعدد من المحافظات الجنوبية. وبدلًا من أن تُستثمر تلك اللحظة التاريخية في اتخاذ القرار السياسي الجنوبي الحاسم، جرى تجيير الانتصار لصالح عودة الشرعية، مقابل حصول الجنوبيين على فتات من السلطة وبعض المناصب في هياكل الحكم التي تشكلت لاحقًا، عقب تنحي عبدربه منصور هادي عن منصبه لصالح مجلس القيادة الرئاسي الذي تشكل فور تنحيه.

وهكذا، تحوّل الصراع من كونه صراعًا وجوديًا بين إرادتين متناقضتين: إرادة جنوبية تحررية، وإرادة شمالية احتلالية، إلى صراع على الكراسي والمناصب داخل سلطة واحدة، انخرط فيها المجلس الانتقالي الجنوبي، وأصبح جزءًا من بنيتها، ولا يزال متمسكًا بالبقاء في إطارها حتى اليوم، رغم إدراكه التام بأن هذه الشراكة تتناقض جملةً وتفصيلًا مع أدبيات ومبادئ وقيم الثورة الجنوبية التحررية، التي قامت أساسًا لمناهضة الوجود الشمالي، ورفض كل أشكال الاحتلال الذي نكّل بالجنوبيين، واستباح أرضهم، ونهب ثرواتهم، وحرمهم من أبسط مقومات الحياة الكريمة.

لقد أضاع الجنوبيون في السابق فرصًا ثمينة، لكن الفرصة التي أُهدرت عقب انتصارات أغسطس 2019م كانت الأثمن والأخطر، لأنها جاءت في لحظة نادرة توافرت فيها القوة العسكرية، والزخم الشعبي، والشرعية النضالية، والواقع الميداني المهيأ لإعلان الدولة.
واليوم، ومع ما تحققه القوات المسلحة الجنوبية من مكاسب وإنجازات عسكرية وميدانية متقدمة في الوادي والصحراء، وفي محافظة المهرة، تبرز فرصة جديدة لا تقل أهمية عن سابقتها، بل ربما تفوقها من حيث نضج الظروف الداخلية وتبلور الإرادة الشعبية، التي تتجلى بوضوح في ساحات الاعتصام، حيث يقف الشعب الجنوبي على أحرّ من الجمر، مترقبًا قرار الإعلان عن قيام دولته الفيدرالية المستقلة.
فهل ستلقى هذه الفرصة المصير ذاته الذي لقيته فرصة أغسطس 2019م؟ أم أن اللحظة التاريخية الراهنة ستُحسن قيادات الجنوب التقاطها، وتتخذ القرار السياسي الذي لم يعد يحتمل التأجيل، استجابةً لتضحيات الشهداء، وإرادة الجماهير، واستحقاقات النصر؟

وفي هذا المنعطف الحرج، يقف المجلس الانتقالي الجنوبي أمام اختبار تاريخي بالغ الصعوبة، إذ يجد نفسه عالقًا بين نارين لا يمكن التوفيق بينهما بسهولة: نار الإرادة الجنوبية الداخلية، العسكرية والشعبية والأمنية، التي تضغط باتجاه اتخاذ قرار شجاع بإعلان قيام الدولة الجنوبية وتحمل استحقاقات هذا القرار مهما كانت كلفته، ونار الإرادة الإقليمية والدولية التي تحذّر من مغبة الإقدام على هذه الخطوة، وتدفع نحو تأجيلها أو الالتفاف عليها عبر تسويات ومساومات سياسية لا تبتعد كثيرًا عن مسار اتفاق الرياض. وهنا يبرز السؤال المصيري: هل سينحاز المجلس الانتقالي لضغط الداخل، مستجيبًا لتضحيات الشهداء وتطلعات الجماهير، أم سيخضع لضغوط الخارج، بما يعني عمليًا الابتعاد عن خيار الاستقلال والدخول في حلقة جديدة من الشراكة المأزومة التي أثبتت فشلها؟ إنها معادلة بالغة التعقيد، لكن التاريخ لا يرحم المترددين، واللحظات الفارقة لا تتكرر كثيرًا.

عدن / ١٤ ديسمبر ٢٠٢٥

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى