كيف يمكن دعم التقدم الذي أحرزه الجنوبيون؟

نسيم الديني
يدخل الجنوب اليوم مرحلة مختلفة عن كل المراحل السابقة؛ مرحلة إدارة المكاسب لا مجرد الدفاع عنها. فالتحولات السياسية والأمنية التي تحققت خلال السنوات الأخيرة وضعت القضية الجنوبية في موقع متقدم، لكنها في الوقت ذاته رفعت سقف المسؤولية الداخلية.
السؤال لم يعد متعلقًا بشرعية المطالب، بل بقدرة الجنوبيين على تثبيت هذا المسار وحمايته من الارتداد.
1 . تثبيت الخطاب السياسي:
يستمد الخطاب الجنوبي قوته من وضوحه القانوني والسياسي، وفي مقدّمته:
• حق تقرير المصير وفق القوانين والأعراف الدولية.
• مطلب إدارة ذاتية وشراكة سياسية قائمة على الندية.
أي انزلاق نحو خطاب انفعالي أو إقصائي يضعف هذه المرتكزات، ويمنح الخصوم أدوات مجانية للتشكيك في جدية المشروع. التجارب الدولية تؤكد أن الخطاب المنضبط شرط للاعتراف السياسي، لا نتيجة له.
2 . إدارة المعركة الإعلامية باحتراف:
لم تعد المعركة الإعلامية هامشًا مكمّلًا، بل عنصرًا حاسمًا في الصراع:
• المطلوب توحيد الرسائل السياسية والإعلامية.
• تقديم النجاحات الأمنية والخدمية بلغة مؤشرات وبيانات قابلة للتحقق.
• إعادة توصيف القضية الجنوبية كملف إنهاء نزاع طويل الأمد لا كصراع داخلي عابر.
الخطاب المتناقض أو الشعبوي لا يربك الخصوم فقط، بل يربك الحلفاء أيضًا.
3 . أولوية البناء المؤسسي:
التقدم السياسي غير المحمي بمؤسسات فعالة يظل هشًا وقابلًا للاختراق.
بناء منظومة قضائية مستقلة، وأجهزة أمنية منضبطة، وآليات رقابة حقيقية على الأداء والفساد، يمثل الضمانة الأساسية لتحويل الأمر الواقع إلى شرعية مستدامة.
التغاضي عن الاختلالات الداخلية بدعوى “المرحلة الحساسة” هو أحد أسرع الطرق لتقويض أي مشروع وطني.
4 . تحييد الاستفزازات المتعمّدة:
تواجه القضية الجنوبية محاولات مستمرة لجرّها إلى أخطاء محسوبة:
• أمنية.
• إعلامية.
• سياسية.
الرهان هنا ليس على إسقاط المشروع بالقوة، بل على دفعه لارتكاب خطأ واحد كفيل بإعادة إنتاج صورة سلبية أمام المجتمع الدولي.
الانضباط والهدوء في هذه المرحلة أداتان سياسيتان، لا مجرد خيار أخلاقي.
5 . مسؤولية النخب وصنّاع الرأي:
يقع على عاتق النخب السياسية والإعلامية مسؤولية مضاعفة:
• تقديم تحليل عقلاني بعيد عن التعبئة.
• توثيق الوقائع وربطها بالسياق الإقليمي والدولي.
• تفكيك السرديات التي تختزل القضية الجنوبية في أشخاص أو كيانات مرحلية.
القضايا الوطنية لا تُدار بمنطق الشخصنة، بل بمنطق المشروع طويل الأمد.



