اليمن انتهى والقوى العالمية تترك ذلك يحدث

اليمن انتهى والقوى العالمية تترك ذلك يحدث
عدن اوبزيرفر/ لورنس ليز:
إذا نظرتَ إلى خريطة اليمن بتاريخ 1 ديسمبر 2025، فهي خاطئة بالفعل.
في غضون أسبوعين فقط، قلبت جماعة انفصالية تُعرف باسم «المجلس الانتقالي الجنوبي» (STC) ما يقارب عقدًا من الافتراضات حول توازن القوى في البلاد. فمن خلال هجوم خاطف، سريع ومنسّق، استولى المجلس على الساحل الجنوبي لليمن، وعلى أهم حقوله النفطية، وعلى الغالبية الساحقة من الأراضي التي كانت تخضع سابقًا لدولة اليمن الجنوبي إبان حقبة الحرب الباردة.
لم يعد هدفه محلّ لبس. فالمجلس الانتقالي لا يقاتل من أجل تحسين موقعه داخل اليمن، بل يقاتل لمحو اليمن بصيغته الحالية، واستبدال جزء منه بدولة ذات سيادة جديدة — دولة ينوي إعادة بنائها وفق تصوّره الخاص.
الأكثر لفتًا للنظر من سرعة السيطرة هو ردّ الفعل عليها. فالحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا بدت عاجزة إلى حدّ بعيد. وجماعة الحوثيين، التي غالبًا ما تسارع إلى استغلال الفوضى، التزمت في معظمها جانب المراقبة. أما القوى العالمية — التي عادة ما تتحفّظ بشدة على ولادة دول جديدة بالقوة — فتبعث بإشارات غير مألوفة.
إنها لا تُصاب بالهلع، إنها تراقب، وبعضها يبدو منفتحًا على فكرة أن هذه المرّة قد تكون مختلفة.
بلد كان منقسمًا إلى ثلاثة أطراف قبل ديسمبر، كان اليمن قائمًا على انقسام هشّ ثلاثي الأطراف.
كان المجلس الانتقالي يسيطر على معظم الجنوب، بدعم عسكري وسياسي من دولة الإمارات العربية المتحدة، وبمساندة وحدات قتالية محلية نخبوية.
وكانت «الجمهورية اليمنية» المعترف بها دوليًا تهيمن على الداخل الشرقي، بما في ذلك مناطق إنتاج النفط الأساسية، برعاية سعودية. وفي المقابل، كانت جماعة الحوثي تسيطر على الغرب، بما في ذلك ساحل البحر الأحمر والمناطق الأكثر كثافة سكانية، باعتبارها قوة وكيلة متحالفة مع إيران.
على الورق، بدا التوازن مستقرًا — ثلاثة أطراف، كل منها قوي بما يكفي لمنع إزاحته بسهولة.
لكن هذا الافتراض انهار بين ليلة وضحاها.
فبدعم من مدرعات ومدفعية إماراتية، ومع إبرام اتفاقات عدم اعتداء مدروسة مع مليشيات قبلية مدعومة من السعودية، اجتاح المجلس الانتقالي مناطق كانت بيد الحكومة. سقطت محافظة تلو الأخرى. جرى الاستيلاء على الحقول النفطية. وأصبحت الحدود مع عُمان والسعودية وبحر العرب تحت سيطرته.
وعندما انقشع الغبار، كان المجلس قد استعاد فعليًا كامل الأراضي التي كانت تخضع لليمن الجنوبي بين عامي 1967 و1990 — بل وأكثر من ذلك.
والأهم، أنه أحكم سيطرته الكاملة على عدن، المدينة المينائية الحيوية التي لطالما مثّلت مقرًا رمزيًا لحضور الحكومة اليمنية المنقسمة في الجنوب. ولم يعد هناك أي وهم متبقٍ لسلطة مشتركة فيها.
في هذه المرحلة، تبدو الأهداف العسكرية للمجلس داخل أراضي اليمن الجنوبي السابق منجزة.
واللافت أن أحدًا لا يحاول بجدية إيقافه.
السعودية تومض — وذلك بالغ الدلالة
ربما تكون أوضح إشارة إلى أن تحوّلًا جذريًا قد وقع هي طريقة تعامل السعودية مع ما جرى.
كان بإمكان الرياض أن تردّ. كان بإمكانها تسليح قوات موالية، أو الضغط على حلفائها القبليين، أو تصعيد تنافسها الصامت مع الإمارات. لكنها بدلًا من ذلك، قبلت بالخسارة.
فقد دخلت المليشيات المدعومة من السعودية في ترتيبات عدم اعتداء طويلة الأمد مع المجلس الانتقالي. وأُعيد توطين مسؤولين حكوميين يمنيين في أماكن أخرى. وأصبحت القوات السعودية والإماراتية تنسّق ميدانيًا لمنع مزيد من عدم الاستقرار في المناطق التي يسيطر عليها المجلس.
هذا ليس مقاومة، بل إدارة خسائر.
وهو ما يشير بقوة إلى أن السعودية قررت أن خريطة الجنوب لم تعد تستحق القتال من أجلها.
لماذا لا يُعامل المجلس الانتقالي كـ«مجرد جماعة متمردة أخرى»؟
عادةً، عندما تعلن جماعة متمردة نفسها دولة جديدة، يتراوح الردّ الدولي بين التجاهل والعداء. فالعالم لا يحبّذ الحدود الجديدة، خصوصًا تلك التي تُرسم بالقوة. ومنذ عام 2000، لم تنجح سوى قلة من الدول الجديدة — مثل الجبل الأسود وجنوب السودان — في نيل اعتراف دولي.
فلماذا يُؤخذ المجلس الانتقالي على محمل الجد؟
جزء من الإجابة يكمن في المقارنة.
دعمت الإمارات فاعلين غير دولتيين آخرين في المنطقة، وكثير منهم مثيرون للجدل بشدة. فقوات الدعم السريع في السودان متهمة بارتكاب فظائع جماعية وإبادة. وقوات خليفة حفتر في ليبيا مزّقت البلاد لسنوات وسط اتهامات بجرائم حرب. وفي الصومال، انزلقت مناطق مدعومة إماراتيًا نحو الاستبداد والانتهاكات.
المجلس الانتقالي ليس بريئًا. فسجله يتضمن عمليات قتل خارج القانون، وإخفاء قسري، وتعذيب، ونهب. وهذه الجرائم حقيقية ومهمة.
لكن الحقيقة غير المريحة هي أن العالم لم يكن يولِيها اهتمامًا كبيرًا.
وخلال هذا الهجوم، أظهر المجلس قدرًا غير معتاد من ضبط النفس. كانت الخسائر البشرية محدودة. ولم تُسجّل فظائع واسعة النطاق. وبمعايير الصراعات الحديثة، كانت نسبة الأرض التي جرى الاستيلاء عليها مقارنة بالدم المسفوك منخفضة على نحو صادم.
وبالمنطق الجيوسياسي، يُحسب هذا الضبط.
وكذلك يُحسب له جانب الحوكمة. ففي المناطق التي كان يسيطر عليها قبل الهجوم، أدار المجلس الخدمات الأساسية، وحافظ على قدر من الاستقرار النسبي، ولبّى الحد الأدنى المطلوب للعمل كسلطة حاكمة في بلد دمّرته الحرب والمجاعة.
وبالنسبة لصنّاع القرار الدوليين المعتادين على خيارات أسوأ بكثير، يبدأ ذلك في الظهور… كمقبول.
معضلة الحوثيين — وفرصة المجلس
إذا كان للمجلس الانتقالي نقطة بيع أساسية، فهي الحوثيون.
من منظور جزء كبير من العالم، لا يُنظر إلى الحوثيين كمتمردين فحسب، بل كتهديد أمني مزمن ومزعزع. فقد هاجموا الملاحة في البحر الأحمر، وألحقوا أضرارًا بالتجارة العالمية، وأطلقوا ضربات بعيدة المدى على إسرائيل، وأثبتوا صعوبة استثنائية في ردعهم.
حاولت السعودية سحقهم وفشلت. وعانت قوة بحرية تقودها الولايات المتحدة في احتوائهم. ولم تغيّر الضربات الجوية الإسرائيلية سلوكهم. ولم تكن لدى الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا أي فرصة حقيقية.
ويرى المجلس الانتقالي في هذا الفشل نافذته.
فحتى قبل تثبيت مكاسبه في الجنوب، بدأ قادة المجلس بتقديم أنفسهم علنًا باعتبارهم القوة القادرة على مواجهة المشكلة المسلحة في اليمن. وأطلقوا «عملية الحسم»، وهي حملة لمكافحة الإرهاب استهدفت خلايا تنظيم القاعدة في محافظة أبين — لا الحوثيين، لكنها كانت قريبة بما يكفي لإيصال الرسالة.
«امنحونا الشرعية»، يقول المجلس، «وسيكون ما يلي ذلك هو مكافحة الإرهاب».
اعترضت السعودية علنًا.
ثم لم تفعل شيئًا.
وهذا الصمت بالغ الدلالة.
استقلال أم شيء أكبر؟
هل سيخوض المجلس الانتقالي حربًا شاملة ضد الحوثيين؟
على الأرجح لا — على الأقل في الوقت الراهن. فالخوثيون مقاتلون دفاعيون أشدّاء، يعتمدون على الطائرات المسيّرة، والألغام، والتكتيكات غير المتكافئة. وستكون الحرب الهجومية مكلفة للطرفين، ولا يبدو أن أيًا منهما متحمّس لبدئها.
لكن المجلس قد لا يكون بحاجة إلى ذلك.
دبلوماسيًا، يكفي أن يبدو مستعدًا.
فبدعم إماراتي وموافقة سعودية ضمنية، يستطيع المجلس الآن أن يقدّم عرضًا ذا مصداقية لواشنطن وبروكسل وموسكو وبكين: اعترفوا بنا، وسنصبح ثقلًا موازنًا للاستقرار في واحدة من أخطر مناطق العالم.
مقارنة بالحوثيين، يبدو المجلس براغماتيًا. وبالمقارنة مع الحكومة اليمنية، يبدو كفؤًا. وبالمقارنة مع حركات انفصالية عديدة، يبدو منظمًا، منضبطًا، والأهم — نافعًا.
كيف تولد الدول الجديدة فعليًا؟
الاعتراف الدولي لا يقوم على الأخلاق، بل على الحوافز.
فالجماعات التي تنجح عادة ما تستوفي الشروط نفسها: محدودية الفظائع الحديثة، بنية حكم قابلة للتصديق، دعم إقليمي، مخاطر منخفضة لإشعال حرب أوسع، وقبل كل شيء — التوافق مع المصالح العالمية.
والمجلس الانتقالي يستوفي عددًا من هذه الشروط أكثر من غيره.
فاليمن يُنظر إليه أصلًا كدولة فاشلة. والجمهورية اليمنية بالكاد تعمل. والحوثيون مكروهون على نطاق واسع. والسعودية والإمارات على وفاق. وعُمان لا يهمها الأمر ما دامت حدودها هادئة. ومعارضة المجلس ستتطلب جهدًا ومالًا واهتمامًا لا ترغب قلة من الحكومات في إنفاقه.
ومن منظور جيوسياسي بارد، لا يكون السؤال: «لماذا نعترف بهم؟»
بل: «ولِمَ لا؟»
ما إذا كان المجلس الانتقالي سيصبح دولة «جنوب الجزيرة العربية» — أو شيئًا أكثر طموحًا — فذلك ما ستكشفه الأيام. لكن أمرًا واحدًا بات واضحًا: العالم لم يعد يتعامل معه باعتباره تمردًا مؤقتًا.
بل يتعامل معه كحكومة قيد الانتظار.
وقد لا تبدو خريطة اليمن كما نعرفها اليوم هي نفسها مرة أخرى.
* عن فوكال ميديا



