دار الحيد في الضالع.. معلم أثري يقاوم النسيان والدمار…

في قلب مدينة الضالع، وعلى تل صخري يطل على المدينة، يتربع “دار الحيد” شامخًا رغم الجراح، حارسًا لذاكرة تاريخية وسياسية وثقافية عمرها يقارب القرنين. يعتبر هذا القصر من أبرز المعالم الأثرية في المحافظة، وواحدًا من أهم الشواهد على الإرث السياسي والمعماري لإمارة الضالع في جنوب اليمن.
قصر على صخرة التاريخ
يعود تاريخ بناء دار الحيد إلى عام 1249هـ الموافق 1833م، بأمر من الأمير شعفل بن حيدرة، أحد أبرز أمراء أسرة آل شعفل، التي حكمت الضالع خلال فترة طويلة من القرن التاسع عشر. وقد بني القصر على طراز معماري يمني أصيل، يجمع بين الجمال والزخرفة والوظيفة الدفاعية، مستفيدًا من الموقع الطبيعي المرتفع، الذي منح الدار اسمه وميزته الاستراتيجية.
بُني القصر ليكون مقر الحكم والإدارة في إمارة الضالع، ومثّل رمزًا للسيادة والسلطة المحلية، حيث استُخدم لاستقبال الوفود الرسمية والعشائرية من مختلف أنحاء اليمن، لا سيما من الشمال خلال فترة حكم آل حميد الدين، ومن الجنوب خلال عهد الاحتلال البريطاني الذي بسط نفوذه على محميات الجنوب منذ عام 1839م.
دور سياسي وثقافي بارز
لم يكن دار الحيد مجرد قصر سكني، بل كان مركزًا لقرارات مصيرية، ومنبرًا للعلاقات السياسية والتفاوضات. ويؤكد مؤرخون محليون أن الدار شهد محادثات حساسة مع ممثلي السلطات البريطانية ومع مبعوثين من الدولة القاسمية في صنعاء، ما يبرز موقع الضالع كفاعل سياسي محوري في تلك المرحلة الحرجة من تاريخ اليمن.
التدمير والإهمال..
مع اندلاع الحرب التي شنتها مليشيا الحوثي الإرهابية على الضالع في السنوات الأخيرة، تعرّض دار الحيد لقصف مباشر أدى إلى دمار جزئي كبير، وتهدم عدد من أجزائه، بينما بقيت جدرانه المتصدعة شاهدة على القسوة التي لحقت بالإرث الثقافي اليمني.
ورغم مرور سنوات على ذلك القصف، لا تزال أعمال الترميم متوقفة، في ظل غياب الدعم الرسمي أو المبادرات الجادة من قبل الهيئات المعنية بحماية التراث، سواء كانت حكومية أو دولية. وما زال المهتمون بالآثار يناشدون المنظمات الدولية، مثل اليونسكو، التدخل لإنقاذ ما تبقى من هذا المعلم النادر.
صرخة للحفاظ على الذاكرة..
يرى ناشطون ومؤرخون أن إنقاذ دار الحيد يمثل مسؤولية أخلاقية ووطنية، تتطلب تحركًا سريعًا لحمايته من الاندثار، واستثماره كمزار ثقافي وسياحي يمكن أن يساهم في تنمية المنطقة، وتعزيز الهوية الثقافية للضالع واليمن عمومًا.
إن دار الحيد ليس مجرد بناء قديم، بل هو مرآة لماضٍ عريق، وذاكرة لأمة.. ذاكرة لن تُمحى طالما بقيت الإرادة حية في نفوس الأوفياء للتراث.
نصر المسعدي



