كتاب عدن

صباح المدرسة



عبّود علي الشعبي



التقى 31 أغسطس بـ1سبتمبر، بين شهر يغادر وشهر يُقْبِل، تأتي المدرسة، لاشي كمثل هذا الصباح، البيوت تستنفر، والقلوب تخفق، والأعناق تشرئب، كل غداة ليس فيها ذهابٌ إلى المدرسة، غداة ناقصة، لا توحي بالحركة والحياة، كما لا توحي بحضور الدولة، وحلول النظام.

ليس عدلاً أن تنطلق النحلة من خليتها تلتمس الرزق، وتهيم في الورود، والطير يغادر عشّه باكراً، يتعشّق أغصان الشجر في بطون الأودية، ولا يكون لأطفالنا البواسم حضورًا في الصباحات الباسمة.

هذا التغيير الذي يلمسهُ الناس، في تحسُّن سعر الصرف، سوف يُذكيه فتح أبواب المدارس، ويُزكّيه، بل تزيّنهُ جباه التلاميذ الواقفون في الطابور، حتى ينالهم من حظِّ التعليم، ما يجعلهم اكثر اشتياقًا لإصلاح حال البلد وتحسين أوضاعه.

يا مجلس قيادة، لا تبخسوا القلم حقَّه، وهو المقسوم به في القرآن “والقلم وما يسطرون”، وليس أقسى على المرء من الحِرمان من التعليم.

نحن نرى الدولة في أفواج المتعلمين، الذين يخرجون باكرًا إلى مدارسهم، نرى النظام في الزي المدرسي الموّحد، وطابور الصباح المفعم ببرنامجه الحافل بالأناقة، آياتٌ تُتلى، وقبَسٌ من مشكاة النبوّة، وقصيدة تزهو، وكلمة أثيرة، ونشيدٌ يُطرِب، فيجيش صدر المعلم والمتعلم لحظة الدخول إلى الفصل الدراسي، وقد تهيأت النفوس للإلقاء والتلقّي.

ليشحذ المعلم الهمّة، ومن أخلص لا يضيع حقه، والحكومة وَعَدَت بتحسين وضع المعلم.

وإذْ نهتف فنقول: لكل موظف في حقل التربية والتعليم أنت نبراسًا ومشعلًا، كُنْ جميلًا ترى الوجود جميلًا، لا تقنط ولا تبتئس، فأنتَ أيُّها المعلِّم مصدر مباهج الحياة، وأنت صاحب الرسالة الكبرى.

يا حكومة افردي لمعلّم الأجيال فصلًا يستوفي فيه حقّه فإنّهُ ” ويلٌ للمطففين”، “ولا تبخسوا الناس أشياءهم”.

هذا الصباح المتميز يحق لِمن يشهده أن ينشد:

طفحَ السرورُ عليَّ حتى إنني

منْ عظمِ ما قد سَرَّني أبكاني

ومَنْ ذا لا يُسر وهو يشاهد تلاميذ المدارس يحملون حقائبهم على ظهورهم مع أول النهار، يمضون بروح وثّابة ونفوسٍ متجددة لاستئناف الرحلة مع الدفتر والقلم، كل أبٍ وأُم يفرح لهذه اللوحة الجميلة، والصورة البديعة المشرقة، كل ولي أمر يريد لابنهِ أن يكون من أهل الفطنة وأصحاب العقول النابهة، فهل نشهد رقيًّا في الأداء، وتجويدًا وتحسينًا في مستوى التعليم، هل تزدهر قاعات الدراسة بالعلوم والمعارف وحُسن التربية وصناعة الرجال؟

يا حكومة.. نريد تأهيلًا للمعلم، وأن تتعهده الوزارة بالدورات، وعقد الوِرش، لتطوير ذاته، وتحسين مهاراته، حتى يؤدي وظيفته باحترافية، نريد المعلّم التربوي الذي يشهد له المجتمع بالإخلاص والتألُّق، فيُذكَر بالخير على ألسنة الناس، نريد أن نرى المعلم الكادر الذي إذا رآهُ الناس فَرِحَت قلوبهم، وأشرقت أرواحهم، وقد قيل أربعة من الفَرَح: النَّظَرُ إلى الخُضرة، والى الماء الجاري، والمحبوب، والثمار، والمعلم فيه من كل الأربع خصلة، فهو بستان المعرفة، وهو ينبوع يتدفق بالعِلم، وهو محبوب طلّابه، وهو قِطافٌ دانٍ تنالهُ عقول وأرواح التلاميذ بيسر وسهولة:

نظرنا إلى تلك الوجوهِ عشيّةً

فأشرقتِ الأرواحُ مِنْ حُسْنِ ما نرى

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى