القاهرة تدفع بقوات إلى الصومال في مواجهة تصاعد نفوذ ‘الشباب’

القاهرة/مقديشو – هبط وفد عسكري مصري رفيع في مطار “عدن عدي” الدولي بالعاصمة الصومالية، في مستهل مهمة تمهيدية لنشر وحدات عسكرية مصرية ضمن بعثة “أوسوم” التابعة للاتحاد الإفريقي، في وقت تتزايد فيه الهجمات التي تنفذها حركة “الشباب” المتشددة. وتُشير هذه الخطوة إلى تنامي الدور المصري في منظومة الأمن الإقليمي داخل القارة الإفريقية، خاصة في مواجهة التهديدات العابرة للحدود.
ويضم الوفد المصري ضباطًا كبارًا ووحدات خاصة، وتكمن مهمته الأولى في التحضير الفني واللوجستي لتمركز نحو 1.097 جنديًا مصريًا، سيكونون ضمن قوات “أوسوم”، بالإضافة إلى قوات مصرية أخرى تُنشر بموجب اتفاقية تعاون عسكري ثنائية تم توقيعها بين القاهرة ومقديشو في أغسطس 2024.
وتأتي هذه الخطوة بينما تواجه الحكومة الصومالية تحديات أمنية متزايدة بفعل تصاعد نشاط حركة “الشباب” التي كثّفت هجماتها في عدد من الولايات الصومالية خلال الأشهر الأخيرة، في وقت بدأت فيه بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية السابقة أتميس الانسحاب من البلاد.
ورحبت وزارة الدفاع الصومالية بالخطوة المصرية، ووصفتها بأنها “ترجمة عملية للدعم المصري المستمر لأمن واستقرار الصومال”، مؤكدة أن أفراد البعثة المصرية خضعوا لتدريبات مكثفة تؤهلهم للعمل ضمن بيئة أمنية عالية الخطورة.
وتُعد مصر من أولى الدول التي استجابت لدعوة الاتحاد الإفريقي للمساهمة في القوة الجديدة اوسوم التي ستتولى المهام الأمنية بعد انتهاء ولاية “أتميس” في ديسمبر 2024. ويُتوقع أن يبلغ قوام “أوسوم” نحو 11.900 عنصر من عدة دول إفريقية، في مقدمتها مصر.
وبحسب مصادر صومالية مطلعة، فإن التوسع في الدور المصري العسكري لا يقتصر على المشاركة في أوسوم، بل يشمل تدريب أكثر من 3.000 جندي صومالي في مصر منذ العام 2023، إضافة إلى ثلاث شحنات من الأسلحة والمعدات العسكرية أرسلتها القاهرة إلى مقديشو خلال عام 2024 وحده.
وتضمنت هذه الشحنات أسلحة خفيفة ومدافع ميدانية وصواريخ مضادة للدروع ومركبات مدرعة، وصلت تباعًا في أغسطس وسبتمبر ونوفمبر 2024. كما تضمّن الدعم المصري تجهيز وحدات قتالية صومالية بالمعدات والزي العسكري الكامل، إلى جانب توفير مستشارين عسكريين يعملون مع وزارة الدفاع الصومالية.
ويُنظر إلى هذا التحرك المصري ضمن سياق أوسع يتصل بالصراعات الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي، لا سيما مع تصاعد التوترات بين القاهرة وأديس أبابا على خلفية ملف سد النهضة الإثيوبي، الذي تعتبره مصر تهديدًا وجوديًا لمواردها المائية.
ويرى مراقبون أن تعزيز مصر لعلاقاتها الدفاعية مع الصومال يأتي كجزء من استراتيجية موازنة النفوذ الإقليمي، خاصة بعد توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال في يناير 2024، تسمح لها بإقامة قاعدة بحرية على سواحل خليج عدن، وهي الخطوة التي أثارت تحفظات عربية ودولية واسعة.
وفي هذا السياق، ينظر البعض إلى الحضور العسكري المصري في الصومال، لا بوصفه فقط دعماً لحكومة مقديشو في حربها ضد الإرهاب، بل أيضاً كرسالة سياسية وأمنية موجهة للفاعلين الإقليميين، بأن مصر حاضرة في معادلات القرن الإفريقي.
من الناحية العملية، يساهم هذا الوجود المصري في إسناد الجهود الصومالية لمكافحة حركة الشباب، التي لا تزال تسيطر على مناطق واسعة جنوب ووسط البلاد، وتنفذ هجمات دورية ضد منشآت حكومية وأمنية.
ويقول اللواء المتقاعد محمد الكاشف، الخبير في الشؤون الإفريقية، إن “القاهرة تدرك أن تفكيك التنظيمات الإرهابية في الصومال، وعلى رأسها الشباب، يحد من انتشار الفكر المتطرف في الإقليم، ويمثل استثمارًا في استقرار القارة، خاصة مع اتساع الروابط بين الجماعات المسلحة في القرن الإفريقي ومنطقة الساحل”.
وأضاف الكاشف أن “مصر تقدم نموذجًا لتعاون عسكري منضبط يخدم الأمن الإقليمي، ويعزز قدرات الحكومات الشرعية بدلًا من التدخلات الخارجية غير المنسقة”.
وفي وقت تتجه فيه الأنظار إلى ما ستسفر عنه المرحلة الجديدة من العمل العسكري في الصومال بعد نهاية بعثة ‘أتميس’، يبدو أن مصر قد رسخت قدمها بقوة في الساحة الأمنية للقرن الإفريقي، مستفيدة من تقارب سياسي وعسكري مع مقديشو، وساعية إلى لعب دور متقدم في التصدي للتمدد المتطرف الذي تقوده حركة “الشباب”.



