حضرموت بين أطماع الجغرافيا وخيار الاستقرار لماذا الجنوب الفيدرالي هو المخرج الوحيد

بقلم: ✍️ علي ناجي سعيد
من يتأمل المشهد في حضرموت اليوم، يدرك أن هذه المحافظة الغنية بالثروات والموقع والعمق التاريخي، تعيش لحظة مفصلية من تاريخها السياسي والوطني. فكل القوى الإقليمية تتطلع إليها كجائزة استراتيجية، بينما أبناءها يتطلعون إلى مستقبل آمن ومستقر، يضمن لهم الكرامة والشراكة والهوية.
لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هو: هل يمكن لحضرموت أن تستقر خارج المشروع الوطني الجنوبي؟
الإجابة المنطقية والواقعية هي: لا يمكن ذلك.
أولًا: حضرموت في قلب الصراع الإقليمي
منذ سنوات، أصبحت حضرموت ساحة مفتوحة لتقاطع النفوذ الإقليمي والدولي.
السعودية تركز وجودها في الصحراء وبعض مناطق الوادي، عبر قواتها وألوية “درع الوطن”.
الإمارات تدعم قوات النخبة الحضرمية التي تسيطر على الساحل والمكلا.
عُمان تراقب المشهد بقلق، وترفض تمدد الرياض شرقًا نحو حدودها.
أما القوى الدولية، فتنظر إلى حضرموت كمنطقة حيوية للطاقة والممرات البحرية، لكنها تخشى أن تتحول إلى بؤرة صراع جديدة.
وسط كل هذا، تظل حضرموت محل تنازع المصالح والأطماع، لا كيانًا يملك قراره السيادي المستقل.
—
ثانيًا: المشاريع المتنافسة وفقدان الاستقرار
تُطرح عدة مشاريع لحضرموت:
مشروع “الإقليم الحضرمي المستقل” برعاية سعودية.
مشروع “حضرموت ضمن يمن اتحادي” بصيغة الشمال والجنوب القديمة.
ومشروع “حضرموت ضمن دولة الجنوب الفيدرالية” الذي يتبناه المجلس الانتقالي الجنوبي ويحظى بدعم شعبي واسع.
التجربة أثبتت أن المشاريع المفروضة من الخارج لا تصمد لأنها تتجاهل الإرادة الشعبية.
فحضرموت ليست مجرد جغرافيا، بل جزء من هوية جنوبية متجذّرة، تشارك فيها في الثورة والنضال والسياسة، من المهرة شرقًا إلى باب المندب غربًا.
—
ثالثًا: الجنوب الفيدرالي… الحل الممكن والمقبول
المشروع الوطني الجنوبي لا يقوم على فكرة الإقصاء أو الهيمنة، بل على الفيدرالية العادلة التي تضمن لكل محافظة إدارتها وثرواتها ضمن دولة جنوبية موحدة.
في هذا الإطار، تصبح حضرموت شريكًا لا تابعًا.
وتحافظ على خصوصيتها الثقافية والاقتصادية ضمن عقد وطني جنوبي جديد.
كما تضمن استثمار ثرواتها في خدمة أبنائها، لا في حسابات أطراف خارجية.
هذا المشروع لا يهدد أحدًا، بل يفتح الباب أمام استقرار إقليمي حقيقي، لأن الجنوب المستقر يعني شواطئ آمنة، وممرات تجارية محمية، وحدودًا مستقرة.
—
رابعًا: حضرموت خارج الجنوب… فوضى لا تنتهي
من يظن أن حضرموت يمكن أن تنعم بالاستقرار منفردة، يتجاهل حقائق الجغرافيا والسياسة.
خارج الإطار الجنوبي، ستظل المحافظة عرضة للانقسام بين:
ساحل و وادي وصحراء، هضبة وووالخ .
وهذا يعني دوامة نفوذ وصراعات مستمرة، تجعل من حضرموت منطقة هشّة ومقسمة، لا قادرة على حماية نفسها، ولا قادرة على إدارة ثرواتها.
—
خامسًا: المشروع الجنوبي… إرادة الناس لا إرادة الأطماع
اليوم، تتجلى الحقيقة بوضوح في الشارع الحضرمي:
الفعاليات الشعبية الحاشدة في سيئون، شبام، والمكلا تؤكد أن الانتماء الجنوبي ليس شعارًا سياسيًا بل هوية جمعية.
وهذا الانتماء هو ما يجعل الجنوب الفيدرالي المشروع الواقعي الوحيد القادر على إنهاء الصراع وتحقيق الأمن والتنمية.
فالدول قد تصنع التحالفات، لكنها لا تصنع الانتماء.
أما الشعوب فهي التي تصنع الأوطان، والجنوب اليوم يصنع وطنه بوعي وتضحيات وإرادة.
—
الخلاصة
حضرموت لن تستقر إلا ضمن الجنوب، ولن تزدهر إلا بشراكتها في بناء الدولة الجنوبية الفيدرالية.
لأن الجنوب ليس مشروع فصيل أو حزب، بل خيار شعب وإرادة تاريخية تمتد من المهرة إلى باب المندب.
فكل ما دون المشروع الجنوبي، محاولة لتأجيل الانفجار القادم، وكل ما في داخله هو فرصة لبناء دولة سلام وعدالة وشراكة حقيقية.


