«نفط العصر».. حرب على الإعلام!

علاء الغطريفي
لم يعد التهديد الوجودى لمؤسسات الإعلام مجرد توقعات أو مؤشرات رقمية تدلل على تراجعٍ ما بسبب «الإفراط التكنولوجى» فى الحياة المعاصرة، بل أصبح واقعًا لا يمكن الفرار منه، فقد تغيرت بيئة المعلومات على الإنترنت، والسبيل الوحيد هو مراجعة التاريخ مع وسطاء التكنولوجيا مبتلعى الشبكة الدولية كى تصوغ معادلة جديدة فى العلاقة مع «سادة التقنية»!
كتبنا سابقًا عن ذكاء «جوجل»، وكيف سيؤثر على الإحالات لمؤسسات الأخبار، والتى تعد القلب النابض لمشاهدات المنصات الرقمية، بالتالى فأى نموذج أعمال للمحتوى على الإنترنت يظل تحت رحمة «جوجل» قسرًا، ويضاف إليه وحش جديد هو شركات الذكاء الاصطناعى!
اليوم، يدخل اللعبة «أطلس» المملوك لـ«أوبن إيه آى»، الذى يعنى التصفح عبر نموذج مدعوم بالذكاء الاصطناعى بالكلية، وهو ما يهدد عرش «جوجل» الذى فى الأصل يحتكرنا وبصيغته الجديدة عبر خاصيتى البحث التوليدى الجزئية «ملخص الذكاء الاصطناعى» أو الكلية عبر «AI Mode» يمثل نذرًا قد تقوض صناعة الأخبار بمفهومها الحالى سواء فى جانب الزيارات أو الإيرادات.
بات تأثير شركات الذكاء الاصطناعى ملموسًا فى صناعة الإعلام، ويتضح الأمر بجلاء فى عمليتى العرض والطلب، بالنظر إلى مراحل إنتاج المحتوى؛ بدءًا من الجمع والاستكشاف، مرورًا بالإنتاج والتوزيع والنشر، وانتهاء بصيغ الاستهلاك من الجمهور.. لا توجد غرفة أخبار حول العالم لا تخشى مصيرًا مجهولًا بسبب تلك الموجة العاتية!
لو تسارعت وتيرة الاستخدام قد تصبح الروبوتات البوابة الرئيسية للأخبار بعدما احتكرت «جوجل» الأمر لسنوات؛ وهو ما يعنى انقطاع الصلة مع الجمهور جزئيًّا فى المستقبل القريب، وكليًّا إذا كان التحول دراميًّا كما تعودنا مع الحتمية التكنولوجية. ورغم اللغة المتشائمة، غير أن هناك بصيص أمل بتمييز الجمهور بين المحتوى الاحترافى والمحتوى المصنوع بالذكاء الاصطناعى الخالى من الروح الإنسانية والملىء بالمعلومات المغلوطة والتضليل والهلاوس!
جميع أنواع المحتوى عُرضة للتلخيص من قبل أدوات الذكاء الاصطناعى، ولهذا فإن الأكثر عرضة للاستبدال حاليًا هو المواد الخدمية وملخصات الرياضة وتقارير الطقس ومواد القوائم مثل «10 طرق لكى تتجنب أضرار الاستخدام السيئ للتكنولوجيا مثلًا»!
التلخيص سيقتل التنوع فى زوايا التغطية التى تتبارى فيها مؤسسات الإعلام، فلو كتبنا مثلًا عن أسباب تراجع نتائج فريق ليفربول، فالملخص سيعطينا صورة مخلّة لسلسلة الهزائم الأخيرة، رغم أن الموضوع يتعلق بعوامل متعددة لن يفى بها ملخص مُخل!
الفردية التى تتمحور حولها استخدامات الذكاء الاصطناعى فى تزويد الجمهور بالأخبار قد تعنى عمليًّا القضاء على المؤسسية فى الإعلام، ملخصات الذكاء الاصطناعى لن تكفى ظمأ المعرفة، وسيدخل الجمهور دوائر الحيرة؛ لأن نظام بيئة المعلومات الدولية قد تضرر!
تعلمنا عبر تاريخ التكنولوجيا أن الأثر ينخلق بالتجربة وقد كانت هناك مساوئ كثيرة بجانب الفوائد، والأمل دائمًا فى الإنسان كى يتكيف، خاصة فى مهن الإبداع والخلق، لابد أن يجلس فى مقعد القيادة ولا ينتظر الحلول السحرية من الآلة!
نعول على وعى الناس بقيمة المعرفة المنضبة، والتمسك بأطرافها مع منابر الصحافة الجيدة ودوائر المعارف الموثوقة، فقد صارت المعلومات ساحة حرب، فرض الصراع على الإعلام من شركات الذكاء الاصطناعى.. والغنيمة هى المحتوى «نفط العصر»!المصري اليوم



