كتاب عدن

متى سيعاد النظر في قانون إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية؟


مسعود عمشوش

هناك كثير من السلبيات وقليل من الإيجابيات التي التصقت بالنظام الذي تسلم السلطة في محميات عدن الشرقية ومحميات عدن الغربية (اتحاد الجنوب العربي) بعد انسحاب آخر جندي بريطاني عند غروب شمس ٢٩ نوفمبر ١٩٦٧ من تلك المناطق، التي منذ ذلك التاريخ دخلت في دوامة اليمننة وسرعان ما أضاعت مرة أخرى استقلالها وكثيرا من مقومات هويتها.

ومن تلك الإيجابيات القليلة: صدور قانون الخدمة الوطنية للشباب والشابات، والخدمة العسكرية الإلزامية للشباب. وعلى الرغم من أن ذلك القانون قد صدر سنة ١٩٧٢، فهو في الحقيقة لم يُنفَّذ بشكل مطرد إلا بعد سنة ١٩٧٥. أما قبل ذلك فالخدمة الوطنية فقط هي كانت فعلا إلزامية ومن خلالها تم تأمين عدد من المعلمين والمساعدين الصحيين في المناطق الريفية، بل أن سالم ربيّع علي أصدر قرارا بإلزام خريجي الثانوية للعام الدراسي 1983/1974 بالالتحاق إجباريا بكليتي التربية في عدن والمكلا.

وفي السنوات التالية أصبحت الخدمة العسكرية في الجنوب إجبارية ولا يستطيع أي شاب من السفر حتى للدراسة أو الالتحاق بالعمل في القطاع العام إلا بعد حصوله دفتر الخدمة العسكرية (أو دفتر الإعفاء المبرر وفق مواد القانون منها). وتشهد على ذلك براقات معسكر طارق.

وعلى الرغم من بعض الآثار النفسية التي سببتها الخدمة العسكرية في الجنوب قبل 1990 لبعض الشباب أرى أنها قد أسهمت بشكل عام في إعداد الشباب بدنيا ونفسيا، وتدريبهم على روح الانضباط والمسؤولية وقيم الولاء والانتماء للوطن. كما ساعدت على تكوين جيش وطني يتجاوز الولاء القبلي الذي كان يعاني منه بعض أفراد جيش الجنوب العربي الاتحادي وجيش البادية الحضرمي حسبما أكده البريطانيون.
ولا شك في أن الخدمة العسكرية الإلزامية، التي تجمع الشباب من مختلف المناطق والفئات الاجتماعية تحت راية الوطن تساعد على تقبلهم لبعض البعض وتغرس فيهم قيما إنسانية واجتماعية عززت لحمة المجتمع.

وللأسف بعد 22 مايو 1990 تمّ أولا (تمييع) قانون الخدمة العسكرية الإلزامية وذلك عندما صدر القانون رقم 22 لعام 1990: بشأن خدمة الدفاع الوطني الإلزامية، وتضمنت المادة 3 (ب) منه: السماح بقبول بدل نقدي من المكلفين بالخدمة. وتضمنت المادة 34: ما يأتي: “تنظم حالات الإعفاء والتأجيل وطلبات الإعفاء التي يجب تقديمها للجهات المختصة مع المستندات اللازمة”.

ثم، بعد عشر سنوات – في سنة 2001- تم إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية في الجمهورية اليمنية بشكل عام وتحولت إلى خدمة اختيارية وانتقائية، وذلك في الوقت الذي عادت كثير من الدول إلى العمل بقانون الخدمة العسكرية الإجبارية. ففي كوريا الجنوبية مثلا: تُعد الخدمة العسكرية اليوم إلزامية لجميع الذكور، وتُساهم في بناء جيش قوي يعزز الأمن القومي. وينص دستور تركيا على أن “الخدمة العسكرية توحد الشباب من مختلف الفئات الاجتماعية والاقتصادية”. ونلاحظ الظاهرة نفسها في المملكة العربية السعودية والإمارات ومعظم الدول العربية.
والذي حدث في بلادنا منذ 1990، هو مضاعفة قوام الجيش بشكل جنوني. لكن في الغالب ليس بهدف خدمة الوطن، بل لخدمة هذا الشيخ أو ذاك، أو هذه المنطقة أو تلك. وأمتلأت كشوفات
المناطق العسكرية بآلاف الأسماء الوهمية. والهدف ينحصر في تمكين هذا المتنفذ أو الشيخ من الحصول على نفوذ ونقود. وهيمنة على الوزارات والمناصب العليا. فمن ليس وراه عساكر وبلاطجة عليه أن يسافر أو يقبل بالبقاء في الهامش. وللأسف انسحب ذلك على مناطق بأكملها، وبشكل خاص المناطق التي يميل أهلها للنظام والقانون، مثل حضرموت وعدن.
وفي اعتقادي إن إعادة تفعيل الخدمة العسكرية الإجبارية في بلادنا أصبح ضرورة لضمان تحقيق الاستقرار والآمن ولمعالجة كثير من الاختلالات ولبناء جيش ولاؤه للوطن وليس لعلان أو زعطان، ولا لهذه القبيلة أو تلك. بدون ذلك ستظل بلادنا طاردة لأبنائها وكفاءاتها. وبالتالي ستظل تسير للخلف. ولن تخرج من أزمة إلا لتدخل في أزمة جديدة.
والله والوطن من وراء القصد.

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى