عصر جديد من الشراكة: عندما تتضافر الجهود

جوسلين وولار
«يد واحدة لا تصفّق». مثلٌ بسيط لكنّه مؤثر، تعلمته خلال إقامتي في المملكة العربية السعودية. هذا المثل الشائع يُجسّد حقيقة راسخة، ألا وهي أن القوة تكمن في تكاتف الأيادي.
في الشهر الماضي، أصبحتُ المتحدثة الرسمية باسم الحكومة البريطانية باللغة العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهذا المثل يحدّد مهمتي بوضوح: بناء جسور التواصل وتعزيز التفاهم المتبادل. وهو أيضاً يجسّد توجهاً أوسع في الدبلوماسية البريطانية: تعاون حقيقي يجمع بين نقاط قوة كل شريك، لنحقق معاً ما لا يستطيع أي منا إنجازه بمفرده.
من السهل هذه الأيام أن نغرق في التشاؤم. فالأزمات عابرة للحدود، والصدمات المناخية تجتاح القارات، والصراعات تُشرّد الملايين. كما أنّ الاحتياجات الإنسانية تتجاوز الميزانيات المُتاحة من الجهات المانحة.
لقد بدأتُ مسيرتي المهنية في المجال الإنساني، حيث توليتُ تصميم وقيادة جهود التنمية البريطانية في العراق، ولاحقاً في اليمن. ومن واقع عملي هذا تعلمتُ شيئاً أساسياً: لا يمكن لأي دولة، مهما بلغت قدراتها أو مواردها، أن تواجه التحديات العالمية اليوم بمفردها.
لكن الشراكة هي بمثابة طريق ينقلنا من التشاؤم إلى الأمل. وهذا يتجلّى في فعالية تُعقد اليوم في لندن، حيث تلتقي قيادات بريطانية وسعودية في حوار المساعدات الاستراتيجي السنوي الثالث.
حوار المساعدات هذا يُمثّل نهجاً جديداً للتنمية؛ حيث يقوم على الإصغاء للمستفيدين والتعلم منهم، وليس على الفرض والإملاء عليهم.
وفي فعالية اليوم، ستُطلق وزيرة شؤون التنمية البريطانية البارونة تشابمان، والدكتور عبد الله الربيعة، المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، ثلاثة مشروعات إنسانية مشتركة جديدة: مشروع في اليمن لتقديم خدمات التغذية والرعاية الصحية لنحو 400 ألف شخص؛ ومشروعان في بنغلاديش لتوفير مياه نظيفة لأكثر من مليون لاجئ من الروهينغا، وتقديم مساعدات غذائية لأكثر من 100 ألف شخص.
وإلى جانب المساعدات الطارئة، يُتيح هذا الحوار أيضاً فرصاً للاستثمار الخاص دعماً للتنمية، ذلك بهدف خلق فرص عمل وتعزيز النمو الاقتصادي في بعض من الدول الأشد فقراً في العالم. وفي جوهره فكرة بسيطة تقوم على معالجة الأسباب الكامنة وراء الفقر، بدلاً من مجرد الاستجابة لأعراضه. والشراكة هي ما يجعل ذلك ممكناً.
هذا هو وجه الدبلوماسية البريطانية الحديثة: ليس التواصل كفاعل منفرد، بل كجهة وصل وتنسيق، تجمع الحكومات، وشركاء من القطاع الخاص، والمجتمع المدني لمعالجة التحديات المشتركة في عصرنا.
وفي عالم يشهد انقسامات، تُظهر شراكات مثل الحوار البريطاني – السعودي ما يمكن تحقيقه بالفعل حين تتضافر الجهود معاً. وبالمثل، فإنّ رؤيتي كوني متحدثة باسم المملكة المتحدة لا تقوم على الحديث إلى الناس من برج عاجيّ، بل على الإصغاء إليهم، والتواصل مع مختلف الأطراف، والمساهمة في تضافر تلك الجهود معاً.
حين تتشابك الأيادي، تتحول الجهود إلى تعاون قوي. وهذا المبدأ هو الأساس الذي تقوم عليه المشروعات البريطانية – السعودية المشتركة التي نطلقها اليوم، وهو في جوهر مهمتي كمتحدثة باسم الحكومة البريطانية.
لا تستطيع يد واحدة أن تصفّق، لكن حين تتكاتف الأيادي يُمكنها أن تُبدد التشاؤم وتدفعنا نحو الأمل لنحقق النتائج المرجوّة، ونبني المستقبل الذي يحتاجه عالمنا. دعونا نصغِ، ونتحدث، ونعمل معاً في رحلتنا المشتركة على كوكبنا.الشرق الاوسط
* المتحدثة باسم الحكومة البريطانية
في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا



