كتاب عدن

ماذا بعد السيطرة العسكرية ؟!



كل هذه المعارك العسكرية، أو التظاهرات أو الاستعراضات أو التحشيد للجماهير هنا وهناك؛ ليست سوى محاولات عبثية للهرب من استحقاقات سياسية مهمة وضرورية وواقعية .

لقد مرت عشرة أعوام على تحرير عدن، التي يفترض أنها العاصمة المؤقتة لليمن. فهل كانت بالفعل عاصمةً لليمن؟ وإذا لم تكن كذلك، فهل أضحت عاصمةً لدولة الجنوب؟!

الحقيقة أننا إزاء حالة هلامية لا تستقيم مطلقًا ؛ فلا الدولة اليمنية تم استعادتها، ولا الدولة الجنوبية تجسدت واقعًا موضوعيًا وأجبرت العالم على الاعتراف بها.

للأسف، هناك من يعتقد أن سيطرة الانتقالي عسكريًا على عدن ولحج وأبين والضالع وشبوة وسقطرى، والان حضرموت ، بأنها مقدمة لابد ان تفضي للاستقلال الثاني” للجنوب .
هذه النظرة القاصرة أغفلت أن هذا التمدد العسكري، الذي وصل الآن إلى وادي حضرموت وربما إلى حوف المهرة، سيخلق المزيد من المشكلات بسبب افتقاره للغطاء السياسي ، فالمظلة السياسية لهذه السيطرة ما زالت مفقودة ، رغم وجود الحامل السياسي المتمثل بالمجلس الانتقالي الجنوبي .

فالمجلس الانتقالي في وضعيته الراهنة يبدو للمتابع العادي قويًا بحكم سيطرته العسكرية الواصلة اليوم إلى حضرموت والمهرة ، لكنه من الناحية السياسية ضعيفًا وهشًا ، فلا يستطيع الإيفاء بالتزاماته الداخلية ناحية اتباعه وقواعده ، أو أنه بعلاقاته مع دول العالم يملك قراره المستقل بحيث يمكنه اتخاذ خطوات سياسية جريئة بمعزل عن الدولتين الداعمتين له – السعودية والإمارات – .

ما يعني أن السيطرة على حضرموت لن تأتي باستقلال الجنوب، بل ستُدخل حضرموت في متاهة المحافظات الجنوبية، وتتركها في وضعية ثنائية قاتلة: لا دولة يمنية، ولا دولة جنوبية.
نعم، القوة العسكرية قد تحسم وتسـيطر، لكنها لن تعالج أزمة مالية أو مشكلة إقتصادية أو اجتماعية ، ففي المنتهى القوة العسكرية أداة لفرض خيار سياسي ، وغالبًا ما تكون القوة وسيلة أخيرة بعد استنفاد الخيار السياسي الدبلوماسي .
وبما أن المسألة سياسية ويستلزمها حل سياسي ، فإن هذا الحل السياسي ما زال غائبًا ومفقودًا أما بسبب تعقيدات الحالة اليمنية وتبعية اطرافها وتعدد اطروحاتهم للحل ، وأما نتيجة لاعتماده على ما توفره له الدولتين من غطاء سياسي واقتصادي ودبلوماسي ومالي وعسكري وإعلامي .

وعلى فرضية ان الحسم العسكري ووصول القوات الموالية الانتقالي الجنوبي إلى حوف في المهرة هو كل ما يحتاجه قادة الانتقالي الجنوبي لفرض خيارهم السياسي بفك الارتباط واستعادة الدولة ؛ فهل هذه السيطرة كافية لفرض الأمر الواقع وإجبار الإقليم والعالم للتعاطي معه .

فالقوة العسكرية لن تخلق ظروفًا مثالية، بل على العكس، ستجد نفسها تخوض معارك ثانوية. وقد سبق أن خضنا تجارب كثيرة، فماذا حققت هذه الخيارات العسكرية؟! .

فمعاناة الجنوبيين وليدة استخدام القوة لفرض الوحدة، وثماني حروب لم تزد الحوثيين إلا قوة ونفوذًا . ومعاناة اليمنيين منذ أكثر من عشرة أعوام هو نتاج لتلك العقلية التي أرادت الهيمنة بالقوة دون سواها من الوسائل المدنية والديمقراطية .

فسيطرة الحوثيين على صنعاء خير دليل، فأيًا كانت قبضتهم العسكرية، فإنها لن تشفع لهم للبقاء ، فمنذ انقلابهم يسيطرون على الدولة ومؤسساتها بالقبضة العسكرية والأمنية ، ويواجهون استحقاقات وأزمات اقتصادية واجتماعية بالمزيد من التصعيد العسكري وباختلاق جبهات معادية ، وبقصد الالهاء والافلات من معالجة تلك الأزمات .

السؤال الأكثر واقعية : ماذا بعد السيطرة العسكرية على مساحة حضرموت كاملة ؟ وهل ستنضم حضرموت إلى معاناة المحافظات الجنوبية المحررة ؟ ام ستفتح آفاق جديدة لحلول سياسية سواء على مستوى الجنوب أو اليمن ؟ .


محمد علي محسن

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى