كتاب عدن

“الجنوب حقٌّ لا يُساوَم ومغامرة لا تُحتمل”



ليس التفريط بالقضية الجنوبية، ولا تجاوز المجلس الانتقالي والقوات الجنوبية، إجراءً سياسيًا عابرًا يمكن تدارك آثاره لاحقًا، بل هو في ميزان القانون والسياسة والأمن الإقليمي مخاطرة وجودية تفتح أبواب الجنوب على فراغٍ لا يملؤه إلا التمدد الحوثي، ولا يحسن استثماره إلا المشروع الإيراني.
فالجنوب ليس رقعةً يمكن تسليمها أو تأجيل مصيرها، بل هو أرضٌ دُفعت ضريبتها دمًا،
وحُرست بإرادة شعبٍ آمن بأن دولته حق لا منحة، وبأن حريته لا تُشترى ولا تُساوَم، مهما عظمت الإغراءات أو تعددت الضغوط.
لقد كانت الوحدة حلمًا راسخًا في وجدان الجنوبيين،
وكانت مشروعًا وطنيًا آمنوا به بصدق، وسعوا إليه بتنازلات كبرى، وقدّموا لأجله الأرض والقرار والثروة والنظام، إيمانًا منهم بأن الشراكة العادلة قادرة على بناء وطنٍ يتسع للجميع،
غير أن هذا الحلم لم يُقابل بما يستحقه من التزام، بل جرى تفريغه من مضمونه عبر ممارسات سياسية وعسكرية واقتصادية، شاركت فيها بلا استثناء جميع القوى المتعاقبة التي أمسكت بالقرار في الشمال، حتى أُفرغت الوحدة من معناها، وقُتلت روحها باسمها.

وهكذا وجد شعب الجنوب نفسه يدفع ـ ولا يزال ـ ثمن طموحه، وتطلعاته، وتنازلاته، وسعيه الصادق نحو الوحدة؛ ثمنًا مضاعفًا من الإقصاء والتهميش، ثم من الحروب والإنكار، ثم من محاولات إعادة إنتاج الأزمة ذاتها بأدوات مختلفة.
إن حب الجنوبيين لجنوبهم حبٌّ سيادي، سقطت عند أعتابه كل الحسابات الضيقة، وتكسّرت عليه كل مشاريع الاحتواء، ومن أراد كسب الجنوب، فلن يناله ببدائل مؤقتة ولا بتجاهل ممثليه الحقيقيين، بل بالوقوف الصريح مع تطلعات شعبٍ قدّم أغلى ما يملك دفاعًا عن أرضه وقراره ومستقبله.
إن التحالف مع الجنوب ليس مجاملة سياسية، بل استثمار استراتيجي في الاستقرار الإقليمي والدولي، والاعتراف بإرادته هو الطريق الأقصر للأمن، أما تجاهله فمغامرة تاريخية لا يملك أحد تبعات المجازفة بها.
*شوقي الجحافي*

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى