مقالات

سر الحرب الباردة والضربة النووية

أغسطس 28, 2017
عدد المشاهدات 1330
عدد التعليقات 0
غاريت غراف

في سنوات عمله في اختبار طائرة القيادة النووية الرئاسية في أوج الحرب الباردة، لاحظ الكابتن باري والراث وجود نمط معين من الممارسة. فطائرة بوينغ 747 المعدلة خصيصاً، والمعروفة لسلاح الجو الأميركي باسم طائرة نايتووتش «إي-4 بي»، تعتبر من الأمكنة الرئيسية التي يمكن للرئيس الأميركي أن يقود منها بلاده نحو الحرب، وتنحصر مهمة طاقم الطائرة في التدرب بشكل متواصل على التعامل مع نشوب نزاع نووي.

وهذه التدريبات التي تحمل الاسم الرمزي «الدولار الفضي»، شملت دائماً لعب مسؤول من البنتاغون أو البيت الأبيض دور الرئيس، وهو يمثل سلطة القيادة الوطنية، ولديه سلطة مطلقة لإطلاق أسلحة نووية. وما إن تنطلق الطائرة إلى الجو، تتكرر التدريبات نفسها مراراً وتكراراً.

ويتلقى «الرئيس» إيجازاً زائفاً بشأن التوترات الجيوسياسية الجارية، والتي يمكن أن تتصاعد متحولة إلى حرب نووية. ثم تبرز لحظة الحقيقة: فطاقم طائرة نايتووتش يجب أن ينتظر الأوامر بإطلاق الأسلحة النووية.

ولاحظ والراث أن هذا النظام الروتيني يتوقف عند هذا الحد، ويتذكر ذلك قائلاً: «لم يجرؤ أحد قط على ضغط زر الهجوم، حتى لو أدرك تماماً أن هذه مجرد تدريبات، وحتى لو تم إبلاغه بأنه لن يحدث شيء. ويبدو الأمر واقعياً تماماً وسيئاً جداً».

وهذه التدريبات دفعت والراث للتشكيك في أنه في اللحظة الحاسمة، ومن خلال مواجهتها لرعب حرب نووية كونية، فإن الولايات المتحدة يستحيل عليها أن تطلق صواريخ نووية. وفي كل تدريب عسكري، سينتظر الرئيس المفترض على الأقل إلى أن تضرب الصواريخ أراضي الولايات المتحدة قبل أن يأمر بتوجيه ضربة نووية مضادة. وغالباً لا تصدر أية أوامر على الإطلاق.

ومن خلال مشاهدة هذا السيناريو الذي تتعرض فيه الولايات المتحدة للمحو من على وجه الأرض، لطالما تساءل والراث دائماً عما إذا كانت لدى السوفييت فكرة عن مدى التردد الأميركي في إطلاق أي صاروخ، وربما شعروا بأنهم مختلفون عن الأميركيين، فمن البديهي فعل شيء رداً على ذلك.

وظلت ملاحظات والراث بشأن التخطيط لحرب نووية عالقة أجيالاً متعاقبة، ولكن من دون شك فإنه إذا صدرت الأوامر بشنّ حرب نووية، فإن التسلسل العسكري في القيادة سينفذ أوامر إطلاق صحيحة على وجه السرعة وبصورة حاسمة.

ولكن ماذا لو لم يصدر الرئيس الأميركي مثل هذا الأمر إطلاقاً؟ وماذا لو كان الرادع النووي، الذي اعتبر حجر الأساس في أمن الولايات المتحدة لعقود، مجرد وعد أجوف، ربما لكلا الجانبين؟ ولطالما لعب رؤساء الدول النووية أوراقهم بصورة خفية، ففكرة الردع بأكملها كانت ستنهار لو أدرك الخصوم أن بإمكانهم المبادرة بالهجوم من دون أن يتعرضوا للعقاب. ولكن هناك أدلة مستقاة من الحرب الباردة بأن الحرب النووية مستبعدة تماماً، وأن المسؤولين عن هذا العمل ربما لم يفكروا بضغط الزر إطلاقاً.

وهذا التساؤل يستحق الاستعادة في هذه الأيام، فيما يحدق الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعدوه اللدود الرئيس الكوري الشمالي كيم أون جونغ ببعضهما عبر المحيط الهادي، ويتساءل كل منهما عما إذا كان الطرف الآخر سيشن ضربة نووية.

وحتى مع انقضاء الخطابات النارية على ما يبدو، فمن المؤكد أن هناك مزيداً من لحظات التوتر في انتظارنا إذا واصلت كوريا الشمالية جهودها للتحكم بصواريخ بالستية عابرة للقارات محملة برؤوس نووية.

لكن إطلاق هذه الصواريخ في نهاية المطاف لا يبدو قابلاً للتحقيق. وبالطبع فإن الأدلة المستقاة من الحرب الباردة ربما توفر بعض المواساة بأن اللحظة الحاسمة لأحد الطرفين المتصارعين أو كلاهما قد تومض ولكن ستتراجع في اللحظة الأخيرة قبل السقوط في الهاوية.البيان

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى