كتاب عدن

بين الرد الامريكي الحتمي و الاستظراف الايراني: هل ستغرق المنطقة في الارهاب؟

فبراير 04, 2017
عدد المشاهدات 589
عدد التعليقات 0
عبدالوهاب الشرفي
تطورات ملفتة و خطرة تشهدها منطقة الشرق الاوسط ويمكن اعتبارها بدء تشكيل المرحلة القادمة فيها و التي ستكون في ضوء هذه التطورات محتدمة للغاية .
تحدث الكثير عن ان هناك توجه امريكي للانسحاب من الشرق الاوسط فلم يعد فيه ما يغري كثيرا بالنسبة للولايات المتحدة كما ان هناك خطرا ماثلا في وسط اسيا هو اكثر الحاحا للمواجهة بالنسبة للولايات المتحدة ، وهذا الامر كان باديا في احاديث ترامب اثناء حملة ترشحه للرئاسة الامريكية .
كتبت ذات مقال ان كل تلك المؤشرات في احاديث ترامب عن تقليص الحضور الامريكي في المنطقة ستذهب ادراج الرياح لان ما يحكم تواجد الولايات المتحدة في المنطقة هو وضع الامن القومي للكيان الصهيوني في مفهوم الامن القومي الامريكي و بالطبع مع ترامب فالامن القومي للكيان الصهيوني هو جزء من الامن القومي الامريكي وبالتالي لن يغادر ترامب الشرق الاوسط ولن يقلص حضوره وكلما سيفعله هو تغيير سياساته في الشرق الاوسط بسياسات ستكون سلبية من سياسات سلفه .
كانت رسائل الامن القومي المتبادلة خلال مرحلة الانتخابات الرئاسية الامريكية واضحة تماما بان وتيرة الصراع مع ايران في المنطقة ستكون اعلى حدة و اكثر توسع ، ولم تمضي على تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة ايام حتى بدأ الاحتدام و ارتفعت وتيرت التصريحات و المواقف المتبادلة بين الولايات المتحدة و بين ايران .
لغة حادة استخدمتها الولايات المتحدة في تعليقها على تجربة ايران الصاروخية بل وتوضيف لحادثة قصف الفرقاطة السعودية قبالة السواحل الغربية في اليمن لصالح رفع هذه الحدة التي وصلت حد ” التحذير الرسمي ” من الولايات المتحدة لايران .
اتصال هاتفي تم بين الرئيس الامريكي وبين الملك السعودي دام طويلا و كان التصريح بشأنه مقتضبا لكنه غنيا ، فقد اعلن ارساء مداميك استمرار ” التحالف ” لمواجهة ايران بل ورفع وتيرته ، و اعلن قبول السعودية بمطلب ترامب انشاء مناطق أمنه التي كانت تعارضها حتى قبل يوم واحد من الاتصال معه و قبلتها ليس فقط في سوريا كما كان مطروحا قبل الاتصال وانما اضيف لها اليمن كذلك .
عملية انزال عسكرية تمت في محافظة البيضاء في اليمن قبل الاتصال بين الرئيس والملك بيوم واحد كانت كفيله بتغيير المزاج السعودي تجاه المناطق الامنه و فيها شيئ من دفع ثمن الحماية الذي تحدث عنه ترامب كثيرا فالمناطق الامنه كامل تكاليفها هي على دول الخليج والسعودية ستكون الدافع الاكبر ، و مباشرة امريكية في اعلان ” الحماية ” برفع حالة وتيرة التصريحات  ضد ايران .
مناورة بريطانية فرنسية امريكية خليجية في الخليج العربي تحمل رسائل واضحة موجهة لايران بشكل لا يمكن التمويه عليه ، وتجربة ايرانية لصاروخ متوسط المدى احدث ضجة غير مسبوقه ، و دخول مباشر وملفت على خط الاحداث في اليمن وربطها بايران ، وحديث امريكي عن التجربة الصاروخية و التهديد للحلفاء لن يمر دون رد ، و قول ترامب  ” ان كل الخيارات مفتوحه للرد على ايران ”  فهل هي كذلك بالفعل ؟ .
اذا بدأ صراع امريكا و “حلفائها ”  في المنطقة مع ايران وبمواقف وتصريحات  ” ترامبية ” مباشرة و قوية و متوعدة  ودفعت بالرئيس الايراني الاصلاحي روحاني للتصريح بان ترامب ” مبتدئ في السياسة ولا يدري مالذي يحدث في العالم ”  و دفعت كذلك بمستشار المرشد الايراني –  ولاياتي –  للقول ”  على ترامب ان يتوقف عن تصريحاته التي تبدو كلعبة مسلية  ”  .
اين سيتجه هذا الصراع  و ماهي تطوراته المحتملة وكيف ستكون صورة الرد الامريكي  بات هو الشاغل الاول للاعلام ، ومن المحللين السياسيين من ذهب الى توقع توجيه ضربة لايران ، والبعض يرى انه سيتم اشعال الملفات العالقة بين ايران ومحيطها بما فيه جيرانها العرب ، و هناك الكثير من التفاصيل و التوقعات حول التطورات القادمة في المنطقة انطلاقا من ملف الصراع مع ايران  والذي تدخله الولايات المتحدة كنوع من الاستثمار لتشغيل قواتها على حساب بعض حلفائها و كتعهد والتزام – تبعا لمفهوم الامن القومي الامريكي لترامب –  بالنسبة للكيان الصهيوني .
الملفت في الامر ان التصريحات الايرانية تبدو غير مُستفَزة كماهي العادة الايرانية في ” حرب التصريحات ” مع امريكا  بل بدت مقلله من اهمية المواقف و التصريحات الامريكية الاخيرة،  بل انها تصريحات لا تخلوا من التندر والظرافة بحق ساكن البيت الابيض الجديد .
لا يمكن انكار حالة الاندفاع التي يبديها ترامب في خطواته ومواقفه التي اقدم عليها فور دخوله للبيت الابيض و خلال ايام قلائل تمكن من ان يفرض ” عهد ترامب ” وهو امر غير مألوف فاتضاح ملامح العهد للرؤساء الامريكيين السابقين كانت تتطلب اشهر حتى يمكن الحكم عليها و حتى يمكنها طمر عهد الرئيس السلف ، فهل من الممكن بناء على هذا الاندفاع توقع توجيه ضربة  لايران بصورة مفاجئة تخلص حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة من ”  ازعاج ايران ” لهم ؟ .
كانت ايران في عهد الشاة حليفا امريكي مهما في منطقة الشرق الاوسط و كانت الولايات المتحدة هي من زودتها بأول مفاعل نووي ايراني في عهد الشاة ، لكن الامر تبدل بعد الثورة الاسلامية التي قادها الخميني وانقلبت الى الخصم الاول في المنطقة ودون خوض في التفاصيل يمكن القول ان هذا الانقلاب الامريكي تجاه ايران هو احد مفروضات الالتزام بأمن الكيان الصهيوني بدرجة رئيسية .
تعرف الولايات المتحدة ان اي ضربة قد توجه لايران فان الرد الامريكي لن يقف عن الولايات المتحدة وانما سيطال بشكل مباشر وجوهري الكيان الصهيوني وهذا هو ماتراهن عليه ايران في مواقفها المتحدية للولايات المتحدة ، فما باتت تملكه ايران من قدرات صاروخية لا يمكن القضاء عليه في ضربة واحدة وسيضل قادرا في حال توجيه ضربة جوية لها على الرد بضربة قوية تطال الكيان الصهيوني ، وبالتالي يمكن استبعاد توجيه ضربة عسكرية لايران في ظل وضعها الحالي لان اي قرار او سياسة لمواجهة ايران يجب ان لاتعرض امن الكيان الصهيوني لخطر كبير كرد الفعل الايراني في حال هاجمتها الولايات المتحدة ، فمنطلق الصراع مع ايران هو على خلفية امن الكيان الصهيوني بدرجه رئيسية ولا يمكن ان تقدم الولايات المتحدة على خطوة من شأنها ان تعرض امنه لخطر كبير كهذا ، ومن هنا يمكن استبعاد التوقعات بتوجيه ضربة جوية لايران في الوقت الحالي على الاقل .
هناك الكثير من الملفات العالقة بين السعودية وايران وبين الامارات و ايران وبين البحرين وايران وكلها ملفات تظل محل احتمال التوجه الامريكي لاشعالها كخطوة بديلة عن توجية ضربة جوية لايران بتوريط ايران و تلك الدول في صراع مسلح ، لكن يظل ميزان ” هيكلية القوة ”  راجح لصالح ايران كونها باتت تنتج الكثير من احتياجاتها العسكرية بينما تلك الدول لازالت تشتري الكثير من احتياجاتها العسكرية ، و رجحان هذا الميزان لصالح ايران سيفرض على الولايات المتحدة ان تتدخل بشكل مباشر لمؤزرة هذه الدول في حال اندلعت الحرب بينها وبين ايران كي لا يخسرها حلفائها وهذا التدخل سيحول اي حرب يتم فتحها بين هذه الدول و ايران الى ذات وضع توجيه ضربة جوية امريكية لايران و بالتالي ذات التعريض الخطير لامن الكيان الصهيوني ، ومن هنا يمكن استبعاد التوقعات بالاقدام على مواجهة ايران باشعال حرب مع جيرانها العرب وفي الوقت الحالي على الاقل كذلك .
تعذر توجيه ضربة امريكية و تعذر توريط ايران في حرب مع جيرانها تفسر حالة الردود الايرانية غير المتشنجة تجاه مواقف وتصريحات ترامب الاخيرة بحق ايران ، لكن هل بالفعل ايران في مأمن من الرد الذي توعد به البيت الابيض على خلفية تجربتها الصاروخية و مزاعم دورها في الملف اليمني المهدد لحلفاء الولايات المتحدة ؟ .
ترامب رئيس ” مميز ” بالنسبة للصهيونية العالمية وهي تعي ان رئيس امريكي بهذه المواصفات هي فرصة لا يجب ان تفوتها ، وهو رئيس يمكن من خلاله فعل الكثير مما كان يستحيل تحقيقه مع الرؤساء السابقون سواء بقناعته او بالضغط عليه بالاستفادة من حالة الخلاف في الداخل الامريكي القابل للتوسع بشكل يضع الرئيس في ازمة داخلية حقيقية واللوبي اليهودي هو خير من يجيد استثمار الفرص بعيدا عن اي حسابات – بما فيها مصلحة الولايات المتحدة نفسها –  غير مصلحة الكيان الصهيوني ، ومن هنا لابد من الاستفادة من فرصة الرئيس ترامب لتحقيق شيئ مع ايران ، ومن هنا فمسألة الرد الامريكي مسألة قائمة لا محالة و سيكون المسئولون الامريكيون يستظرفون على انفسهم قبل ان يكونوا يستظرفون على تصريحات ومواقف الرئيس ترامب .
في ضوء الملابسات الحالية في المنطقة يمكن القول ان الرد الذي توعد به البيت الابيض لن يأتي الا من خلال الملفات المشتعلة حاليا في المنطقة ، فزيادة توريد ايران واستنزافها في هذه الملفات كسوريا و العراق او على خلفيتها كاليمن هو مجال الرد الامريكي المتاح في عوامل الوضع الايراني الحالي ، لانه الرد الوحيد المتاح الذي لا يمكن لايران ان ترتب عليه ردا باتجاه الكيان الصهيوني بشكل مباشر و في صورة اطلاق صواريخها عليه  .
زارت رئيسة الوزراء البريطانية الولايات المتحدة و كانت اول مسئول خارجي رفيع يلتقي الرئيس ترامب و بحثت معه مختلف الملفات التي تجمعهما و غادرت  الولايات المتحدة من فورها الى تركيا و ما فعلته في امريكا ستفعله في تركيا وستبحث معها مختلف الملفات ذات العلاقة ، وبين الملفات محل البحث في امريكا او في تركيا وفي ظل ذات الموقف البريطاني تجاه ايران سيكون الملف السوري هو الاكثر حضورا في تلك المباحثات .
لعبت تركيا دورا محوريا في الاحداث التي اعتملت لست سنوات في سوريا و لا زالت و هذا الدور قد اختلف بقدر كبير  في الاشهر الاخيرة وخصوصا بعد استعادة النظام السوري لمدينة حلب و التقت تركيا مع ايران و روسيا في انتاج الحل السوري ، وهنا بيت القصيد ، فالرد الامريكي بات يتطلب عودة الحضور بقوة في الملف السوري ولذلك يجب ان لا يتجه الملف  الى الحل من جهة و يجب ان تستعاد تركيا لنفس الدور الذي كان لها في سوريا منذ البداية .
يظل الانزياح التركي باتجاه الضفة الروسية انزياحا متحفظا ولازالت في حالة ترنح بين الضفتين الشرقية و الغربية و سيكون دور رئيسة الوزراء البريطانية هو انهاء حالة الترنح التركي لصالح الضفة الغربية و استعادتها لذات المشروع في سوريا .
يبدوا ان الادارة التركية ستكون مستجيبة لمثل هذه الاستعادة نظرا  لاحتفاظها بالكثير من  المواقف التي تعيق رسوها في الضفة الشرقية ، و ستكون المسألة بالنسبة لادارة التركية هي حول الثمن و لن تمانع الضفة الغربية في دفع اي ثمن لاستعادة تركيا لمشروعها في سوريا في ظل حالة  تصعيد امريكا وحلفائها مع ايران و في ظل حتمية الرد الامريكي الذي توعد به البيت الابيض .
هذا الترتيب الذي يجري بزيارة رئيسة الوزراء البريطانية لتركيا و كذلك التواصل الامريكي السعودي والاتفاق على مناطق امنه في سوريا و اليمن و المناورة في الخليج العربي  يجب اخذه كمؤشر قوي على التوجه لاشعال الملفات المشتعلة ( سوريا ، اليمن ، العراق ) بشكل اكبر كما قد تشتعل كداعيات لزيادة الاشعال هذه ملفات اخرى كلبنان و مصر و الاردن و ليبيا .
الحرب الامريكية المباشرة مع ايران امر غير متاح حاليا و مثله الحرب غير المباشرة عبر الحلفاء ، وما هو متاح هو استمرار الحرب الباردة المتمثلة في ملفات الصراع الحاصلة حاليا – وكذا فرض عقوبات اضافية على ايران –  ولكن ما سيفرق في الامر هو ان الاستفادة من هذه الملفات ستشهد تطورا كبيرا يتناسب مع صفة الاندفاع للرئيس ترامب و يفضي سريعا الى النتيجة التي يتم العمل عليها وهي استنزاف ايران .
كل حديث ترامب عن محاربة الارهاب يبدوا انه سيتبخر في الهواء ليس فقط لخطاء التشخيص و انما لمتطلبات الرد الامريكي على ايران ايضا ، فمن جهة باتت خطوات ترامب تحت مسمى محاربة الارهاب موجهه لعقوبات ضد دول معينة ضمن حرب ترامب على الاسلام الرديكالي وبالطبع هذا الامر لايمثل حربا على الارهاب وانما يعني سعيا لمواجهة تنامي الجاليات الاسلامية و العربية في الولايات المتحدة ومالذالك من اثر على تشكيل الراي العام الامريكي تجاه قضايا المنطقة ، ومن جهة اخرى تبدوا العمليات ضد الارهاب ستسير في نفس مسار الحرب الامريكية المعتادة على الارهاب التي لا تراوح عمليات ” الاكشن ”  كالتي شهدناها في عملية الانزال في البيضاء في اليمن – والتي تبعها سيطرة القاعدة على محافظة ابين دون قتال – و لكنها ستكون اكثر اثارة في عهد ترامب بينما لا ملامح لتغيير في السياسات الامريكية و الغربية في المنطقة و هو المطلوب الجدي لمواجهة الارهاب ، وبالتالي سيضل الارهاب حاضرا في المشهد للمرحلة القادمة .
في ظل المجال المتاح للرد الامريكي المتمثل في زيادة اشعال الملفات الحاصلة في المنطقة يمكن تصور الاعتماد المباشر على ذات الاسلوب الذي يتم العمل به وهو الجماعات المتطرفة و الجماعات الارهابية وهو ما يمكن في ضؤه عدم ادراج السعودية في قائمة الدول المحظورة رغم ما ازبد وارعد بحقها اثناء حملته الانتخابية ، و ستشهد المنطقة دفعا اوسع واكثر بكثير مما سبق بجماعات من هذا النوع الى إذكاء الصراعات الحاصلة وخصوصا في سوريا و العراق لاستنزاف ايران – وروسيا كذلك –  بشكل ينتج  تغيرات في عوامل الوضع الايراني الحالي قد تسمح بمهاجمتها عسكريا فيما بعد .
وفي ضوء هذا التوجه المتاح للرد على ايران و كذلك استثمار اخطاء السياسات الايرانية في المنطقة يمكن الترجيح بان  منطقة الشرق الاوسط ستغرق  في الارهاب خلال الفترة القادمة  و بشكل اوسع بكثير من ذي قبل .
رئيس مركز الرصد الديمقراطي ( اليمن )
alsharafi.ca@gmail.com

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى