مقالات

”الزبيدي” رئيس أقوى من ”هادي” و أخطر من ”العليمي”و له قبول خارجي أكثر من ”طارق”

 
 ماجد زايد …

عيدروس الزبيدي، أو الرئيس المؤسس لدولة الجنوب، هذه حقيقة قادمة بغض النظر عن كل الشروط والتعقيدات، حقيقة الرجل الذي جعل من فكرة الدولة الجنوبية واقعًا متوقعًا وملموسًا وناعمًا، مع الكثير من التشكيكات والإتهامات والإستعانات الموصومة بالشر والتآمر والخيانة الجسيمة، ليس الأمر مهمًا في قواميس السياسة أذا كانت النتيجة تعني وطنًا جديدًا ودولة قادمة من العدم واللآشيء، دولة حقيقية بلا حرب قاصمة، أو عداوات قاتلة، أو إنقسامات جذرية، أو رفضًا أقليميًا ودوليًا خطيرًا، الزبيدي بحسب قرائتي له رئيس أقوى من هادي، وسياسي أخطر من العليمي، وقائد له قبول خارجي أكثر من طارق، ورجل يملك حليف أقليمي لا يتخلى عنه أو يتركه في أشد الإحتمالات، هذا ما أثبتته المجريات السياسية والأحداث العسكرية على الأرض والجغرافيا، وبالطبع بغض النظر عن نوعية العلاقة بين الحليفين المشكوك في أمرهما.
في مقالي هذا لا شأن لي بصوابية الرجل من عدمه، أو بكونه بطلًا قوميًا لشعب الجنوب أم خائنًا عميلًا وفقًا للكارهين له والمشككين بطريقته، لا شأن لمعايير الخير والشر والأخلاق والثوابت حينما يتعلق الأمر بمصير الملايين، أنا هنا أتحدث عن شخصية تحولت بحد ذاتها الى مشروع من اللآشيء، وقائد يسير في طريقه لتأسيس دولة جنوبية من العدم والمجهول، وسياسي راوغ وتجاوز أخطر التعقيدات، وأخضع مختلف القوى الخارجية والداخلية لغرض تحقيق مشروعه وإرادته، هذا لا يحدث مرتين خلال القرن الزمني الواحد، تمامًا كحكاية مصطفى كمال أتاتورك، المؤسس الحقيقي للدولة العلمانية الحديثة في تركيا، أو الرجل الذي أوجد دولة تركية على أنقاض مملكة كبيرة وخلافة دينية عظيمة، دولة خالصة للشعب بمذهبه السياسي والديموغرافي المنتمي للأرض والوطن، بلا دوافع دينية أو مذهبية، لهذا ظلوا يصفون أتاتورك لعقود لاحقة بأبشع الإتهامات والتسميات والتوصيفات المهينة من قبيل الخائن، والعميل، ومدمر الخلافة، والشيطان الإنقلابي، وغيرها الكثير والكثير، هكذا لعقود بقيوا يشوهون صورته وتاريخه وانجازاته، لكنه في الحقيقة أوجد للأتراك دولة من العدم، دولة على إنقاض الشيخوخة والإنهزام، وصنع للشعب في أرضه وطنًا قوميًا يشبههم ويشبهونه، أما الأخرين، من ظلوا يحقدون عليه فذهبوا يشوهون الرجل ويحرفون التوصيفات التاريخية بقية حياتهم حتى دفنهم الزمان في زوابعه ونسيانه، ولا شيء أخر، لكنه – أيّ أتاتورك- وبرغم الشر الموصوف عنه أوجد دولة حقيقية وهذا لا يحدث في القرن مرتين.
عيدروس الزبيدي إنتزع لمشروعه الأمل بتأسيس دولة عبر إتفاق الرياض، وهو الموازي تمامًا لإتفاق السلم والشراكة المؤسس الحقيقي لدولة الحـ وثيين في الشمال اليمني، وهما الإتفاقين الذان صاغمها الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، بهذف إعطاء المشروعية الفعلية بتقاسم الدولة المحكومة من الزيود الشماليين، إتفاق الرياض هو المؤسس الفعلي لفكرة الإنفصال الناعم، وفي الضفة المقابلة إتفاق السلم والشراكة، هذه لمسات هادي ليس الاّ.. هادي الذي أقال محافظ شبوة قبيل رحيله، ومن ثم إشترط حتمية الدولتين للقبول بتسليم مهامه للمجلس القيادي برئاسة العليمي، وهو ذاته المجلس العاجز تمامًا عن تحريك المعطيات على الأرض، لأنها بالفعل معدة مسبقًا، هذا ما كان واضح في بيان العليمي الأخير، أما عيدروس الزبيدي، بمسمى النائب الرئاسي فماهي الاّ مراعاة بروتوكولية للشكل السياسي والدبلوماسي المصاغ وفقًا للرعاة الخليجيين، أما على الأرض فالزبيدي مشغول بالسيطرة على حدود دولته الجنوبية، بأسلحة حلفائه وأموالهم، وبرجاله وفصائله المدربة والجاهزة، هذه العلاقة الإستراتيجية بينه وبين مموليه وداعميه تثير الأخرين عليه، لأنها لا تكاد تحدث بفاعليتها الحاصلة على مستوى الكون والتجارب المختلفة، لكنها تحدث في سياقات الزبيدي الإستراتيجة، هل هي خيانة أم عمالة أم إرتزاق؟! هي كذلك في قواميس المحللين غير المستفيدين منه ومن دولته القادمة، لكنها بطولية وإعجازية وكفاح سياسي مباح في قواميس شعب الجنوب المستفيد منه مستقبلًا، إنها الحقيقة، وهكذا علمتنا سنوات الحرب اليمنية، فمن سينقذ الشعب ويؤسس للأجيال المشردة دولة قائمة ونظام حكومي ملموس سيكون بطلًا وطنيًا حتى ولو استعان بالشيطان، لأن سقوط الدول وذهاب المنظومات الرسمية تقتل الملايين وتشرد الشعوب وتفتعل الكوارث والإنقسامات، وتحفر في ذاكرة الشعوب المقهورة أزمات نفسية ووجودية لا تكاد تتلاشى بعدها لعقود طويلة، فمن سينقذ الناس، ويقيم لهم دولة على أنقاض الضياع، سيكون رمزًا خالدًا الى ما وراء الأبد، وسيرفعون له تمثالًا على مستوى التاريخ في أعظم شوارع وطنهم شرفًا وإفتخارًا ومكانة.
أخيرًا، تذكروا كلامي جيدًا، أذا إستطاع عيدروس الزبيدي تأسيس دولة جنوبية للجنوبيين عبر إنفصال ناعم وبحلفاء إستراتيجيبن صادقين وبموافقة أقليمية ودولية سيكون بطلًا للجنوبيين، وسيخلدونه في أنصع صفحات تاريخهم وحياتهم، أما أذا عجز فعلًا عن هذا المشروع، أو ذهب بالجغرافيا الجنوبية للتنازع والإقتتال، أو تنازل عن الأرض والسيادة الوطنية مقابل المال والتبعية، أو إنهزم لاحقًا أمام التمدد الحـ وثي تجاه مناطق الجنوب، أو لأيّ سبب ونتيجة كانت فسيخلده التاريخ خائنًا وعميلًا ومرتزقا، ليس لأنه كذلك، بل لأنه هزم، والمشاريع المهزومة تصير مضطهدة ومدعوسة وتتحمل التبعات، وبالعكس منها المنتصرون بأيّ الأشكال والطرق والوسائل السياسية والسلطوية والعسكرية الممكنة، حتى ولو كانوا جبناء وعملاء وخونة لكنهم في المقابل قد إنتصروا وحققوا المجد والتاريخ، خصوصًا أذا أسسوا لشعبهم دولة جديدة من العدم والمجهول، هؤلاء المنتصرون حتى وإن إستعانوا بالشيطان الرجيم فسيكونون عبر التاريخ بصياغة المجد والنضال الوطني الخالص مع الثناء والتشريف، وأيهما سيحدث مستقبلًا سيحدد لنا وللجميع بقية الحكاية، عن الرجل الذي كان فرد ضمن دولة هالكة فصار مشروعًا قادمًا للملايين في أرض الجنوب.

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى