مقالات

اليمن.. غنيمة حرب حوثية!



ما يقوم به الحوثيون هو تصنيع حثيث لقنبلة هائلة الانفجار
أصدر الحوثيون مؤخرا قانونا هو الأكثر جدلية في تاريخ الإسلام، وبقدر ما يستدعي هذا القانون المثير للجدل خلافات تاريخية عمرها أكثر من أربعة عشر قرنا، بقدر ما يبدو بمعايير اليوم حالة شاذة منافية للمنطق الإنساني خصوصا في القرن الحادي والعشرين وبعد أن انقرضت كل الأنظمة العنصرية في العالم.

القانون الحوثي الذي ينص على تخصيص “خُمس” ثروات اليمن لمن يصفهم فقراء “بني هاشم”، هو تعبير من الجرأة بمكان عن النهج العنصري والسلالي لهذه الجماعة، وهي العنصرية التي طالما شكا منها قطاع كبير من اليمنيين عانوا طيلة ثماني سنوات من التمييز في أقبح صوره، في كل مناحي حياتهم اليومية، منذ سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة من شمال اليمن حيث طبقوا أكثر العقد التاريخية شراسة ورجعية.

ومع كل تخفف للجماعة الحوثية من أعباء الحرب السياسية والاقتصادية والعسكرية، تزداد جرأتهم في تطبيق منهج سلالي متطرف وصارم، يعيد عجلة التاريخ قرونا إلى الوراء، لتعويض ما يرونه حقا إلهيا خص الله به قبيلة دون غيرها، وباستخدام مبررات أيديولوجية واهية، تشبه إلى حد كبير مبررات جماعات مثل داعش والقاعدة، عندما تسوق ذرائعها الدينية لتبرير وحشيتها وابتعادها عن الفطرة الإنسانية.



يسرق الحوثيون اليوم وبقانون بدائي 20 في المئة من ثروات اليمن الطبيعية، زاعمين أن الله خص فقراء “السلالة” بها من “الغنيمة” كتعويض لهم عن عدم جواز أخذهم الصدقة، فيما تذهب نسبة 80 في المئة المتبقية لأغنيائهم ومشرفيهم وقادتهم الميدانيين، في سابقة لم يشهد لها المحور الشيعي مثيلا، فمثل هذا القانون لم يصدر في إيران ولا العراق ولا لبنان.

تتصدر أمور الجباية ذات المرجعية الدينية سلم اهتمامات الحوثيين الذين يفرضون الخُمس ولكنهم وفقا لمعاييرهم الدينية ذاتها التي تبيح لهم الجباية، لا يدفعون أي شيء من الزكاة لفقراء اليمنيين ويمنعون ما يعتبرونه “فوائد ربوية” في البنوك ولكنهم يجيزون الجمارك والضرائب وكافة أنواع “المكوس” التي تغذي جيوبهم.

ولا يبدو أن قانون “الخُمس” هو أقصى درجات التطرف الحوثي والذي ينبع في الأصل من النظر إلى اليمن أرضا وإنسانا كغنيمة تم وهبها لسلالة بعينها، فقد سبق الحوثيون ذلك بانتزاع ملكية آلاف المساكن والأراضي في محيط العاصمة صنعاء بزعم أنها أراض وقفية.

كما تلوح في الأفق بوادر قرارات أشد بطشا في إفقار اليمنيين وتحويلهم إلى عبيد وأقنان في أرضهم، حيث تدعي الجماعة أنها عثرت على صكوك قديمة، تثبت أن منطقة “عصر” الشاسعة غرب صنعاء والتي تضم آلاف المساكن تم وقفها قبل مئات السنين من قبل أحد أئمة اليمن وخصص ريعها لفقراء بني هاشم.



وكشفت قيادات سياسية مقربة من الجماعة عن اعتزام الحوثيين إخلاء ثلاث أسواق تاريخية في قلب مدينة صنعاء القديمة، بزعم أن علي بن أبي طالب وقف في هذه البقعة التي تشير المعلومات إلى أن الحوثيين بصدد تحويلها إلى مزار ديني على حساب مصدر رزق مئات وآلاف من أبناء صنعاء من أصحاب المتاجر القديمة في هذه الأسواق.

قد تبدو تلك الإجراءات المتطرفة التي يمارسها الحوثيون في مناطق سيطرتهم ضربا من الجنون والتعصب الأعمى، وهي الإجراءات التي تزداد قبحا وشراسة مع كل انتصار سياسي أو عسكري يحرزه الحوثيون ضد خصومهم، ويبرز السؤال البديهي هنا؛ على ماذا يراهن الحوثيون في ممارساتهم تلك التي تمزج بين العنصرية والسلالية والاستقواء على عموم اليمنيين؟

الجواب بطبيعة الحال لا يحتاج إلى كثير من سبر أغوار تلك الجماعة ونبش معتقداتها العقائدية، التي تقوم على مبدأ التمكين وعكس نتائج ما يزعمون أنها “مظلومية تاريخية” دون الالتفات إلى نتائج هذه الممارسات الكارثية على الصعيدين السياسي والشعبي، والتي تولد حالة من الغضب الشعبي الذي لن يظل كامنا على مدى بعيد.

قوانين الطبيعة تقول إن الضغط يولد الانفجار، وما يقوم به الحوثيون ليس مجرد ضغط بل هو تصنيع حثيث لقنبلة هائلة الانفجار ستمتد أضرارها بعيدا، ويدفع ثمنها حتى الصامتون الذين تماهوا مع سياسة التمييز العنصري والسلالي الأبشع في التاريخ.



صالح البيضاني

صحافي يمني

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى