تقاريرغير مصنف

تقرير: آفة تقتات صحة اليمنيين وأموالهم


عدن اوبزيرفر-خاص.
تقرير: عبدالملك الجرموزي

يواصل القات، تدميره لصحة اليمنيين وأراضيهم الزراعية واستنزاف أموالهم، وقد تحول منذ أربعينيات القرن الفائت، إلى مشكلة مرهقة للبلد الذي يشكو الفقر و وذلك بعد انتقاله من كونه ظاهرة اجتماعية مناسبتيه، إلى واقع عطل حياة اليمنيين ومواردهم، وضاعف مأساوية واقعهم الصحي.

يعود مضغ القات إلى آلاف السنين في منطقة القرن الأفريقي وشبه الجزيرة العربية، حيث تزرع شجرة القات على نطاق واسع وتعرف بأسماء مختلفة، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

وكشفت نتائج دراسة أُجريت لصالح البنك الدولي عام 2019 أنّ 73 بالمئة من نساء اليمن يمضغن أوراق القات بشكل متكرّر نسبياً، فيما يتعاطاه 15 – 20 بالمئة من الأطفال دون سن 12 عاما بشكل يومي، فيما تقول منظمة الصحة العالمية أن 90% من الذكور اليمنيين يتناولون القات، دون الاكتراث لتعدد أخطاره على صحتهم.

29% من أمراض الأورام

يتسبب مضغ القات في إصابة ما نسبته 29% من أمراض الأورام من بينها ثلث الاصابات بأورام الجهاز الهضمي في اليمن، بحسب وزارة الصحة.

ويؤكد المركز الوطني لعلاج الأورام في بيان له خلال فعاليات مؤتمر علمي بجامعة صنعاء مطلع فبراير العام الفائت، أن أكثر السرطانات انتشاراً في اليمن هي أمراض الفم والجهاز الهضمي من البلعوم وحتى المستقيم وأن الجزء الأخير من الجهاز الهضمي القولون الذي ينتهي بالمستقيم (فتحة الشرج)، ويقولون أن نسبة الإصابة تبلغ 40 % من عدد الإصابات بهذا المرض.

المركز أرجع سبب الإصابة بالسرطان إلى القات والسموم والعادات السيئة التي يمارسها المرضى مثل تعاطي الشمة والتدخين وكذا عملية الإفراط في استخدام المبيدات الزراعية التي ترش على المزروعات وبكميات كبيرة وبطرق عشوائية تتسب في انتشار سرطان الجهاز الهضمي والقولون على وجه التحديد.

وأشار إلى أن نسبة كبيرة من اليمنيين مصابون بالإمساك نتيجة ترسب القات مع السموم في القولون وهذا يؤدي إلى تهتك الجدار الرقيق للقولون وتعرضه (القولون) للإلتهابات.

الكبد والقلب

يشكل القات خطراً أيضاً على القلب والأوعية الدموية والجهاز العصبي للمتعاطي، خاصة الذين يعانون من مشاكل صحية أصلاً في هذه الأجهزة، وفقاً لرئيس قسم القلب في كلية الطب بجامعة صنعاء، الدكتور أحمد المترب.

يوضح المترب لـ”عوافي” أن “مضغ القات بشكل يومي يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وعدم السيطرة عليه ما يتسبب في مضاعفة فشل عضلة القلب عند المرضى، بالإضافة إلى أنهم يصبحون أكثر عرضة للإصابة بالجلطات القلبية”.

ويضيف” يتسبب القات في رفع ضغط الدم خاصة في الليل مما قد يؤدي إلى حدوث نزيف في الدماغ ويلحق أضرارا بالكلى والقلب والشرايين التاجية والعين، منوها بأن الفئة الأكثر عرضة للإصابة بهذه الأمراض هم من يعانون من مناعة ضعيفة”.

وفي سياق متصل ربط استشاري أمراض الجهاز الهضمي والكبد، الدكتور محمد سالم نعمان انتشار امراض الكبد في اليمن بتناول القات، مشيرا الى ان القات يتسبب بإصابة الجيل الصغير في اليمن بمرض الكبد، وأن 90 بالمئة من أمراض الكبد لدى اليمنيين سببها القات.

يقول نعمان لـ”عوافي”:” أمراض الكبد في اليمن مرتبطة بالقات والسموم ثم البلهارسيا والفيروسيات الكبدية”، مبيناً بأن “الجلوس لفترات طويلة في تخزين القات يسبب احتقان كبير في البروستات والمثانة مما يؤدي إلى التهابات متكررة وتقطع في البول”.

مشاكل جنسية وانجابية

الأضرار الصحية التي يلحقها القات بالرجال تصيب النساء أيضاً، تقول أخصائية النساء والولادة الدكتورة، بشرى وليد يفوز، إن إدمان النساء للقات يساهم في انخفاض قدرتهن على الاخصاب نتيجة ضعف فرصة تحقيق عملية تلقيح البويضات.

وأضافت يفوز في تصريح لمنصة عوافي “يؤثر القات سلبا على نمو وتكامل الجنين، مما يؤدي إلى خطر موته أو إلى ولادته بوزن منخفض أو مصاب بتشوهات خلقية”.



وفي الوقت الذي يعتقد الكثير من اليمنيين أن القات منشط جنسي، تؤكد دراسة بحثية للباحثة منى الكبزري أن القات يعد ” السبب الرئيس في إصابة 40 – 50% من اليمنيين بالعجز الجنسي”.

وخلصت دراسة الكبزري التي نالت عليها درجة الماجستير من قسم البيولوجيا بكلية العلوم في جامعة صنعاء مطلع 2019، إلى إن “التأثير السلبي للقات على القدرات الجنسية والخصوبة لدى الرجال بسبب مضغ القات المرشوش بالمبيدات الحشرية مرتفع جداً ومدمّر، ويُعتقد أنه السبب الرئيس في إصابة نحو 40 إلى 50% من اليمنيين بالعجز الجنسي”.

وبينت الدراسة المعنونة بـ”تأثير القات على عدد وشكل وحركة الحيوانات المنوية بين ماضغي القات اليمنيين”، أن “القات يتسبب في إصابة نحو 24 ألف يمني سنوياً بمرض السرطان، وأن أغلب ماضغي القات المرشوش بالمبيدات الكيمائية يصابون بالعجز الجنسي الكامل مؤقتاً لمدة نحو 24 ساعة، ولا يستطيعون ممارسة العلاقة الجنسية خلالها”.

وأظهرت نتائج الدراسة أن” 86% من المشمولين بالدراسة من الماضغين للقات الملوث بالكيماويات يفقدون الخصوبة”، و أثبتت أن” 57% منهم وجدت الحيوانات المنوية لديهم عديمة الحركة و13% منهم ضعيفة الحركة وغير تقدمية (اهتزازية) و16% منهم حركة تقدمية بطيئة، وكلها غير قادرة على الوصول إلى البويضة الأنثوية واختراقها لإكمال عملية التخصيب”.

وأرجعت الدراسة أسباب التأثير السلبي على الخصوبة والنشاط الجنسي لدى الرجال إلى مكونات أوراق القات الممضوغة بالإضافة للكيماويات والمبيدات الحشرية السامة التي تضاف إليها.

أهم من الغذاء !

رغم أن 85% من اليمنيين بحاجة للمساعدات الغذائية، بحسب تقارير أممية، بسبب الأزمة التي يعيشها اليمن منذ نحو 8 سنوات والتي أثرت على الوضع الاقتصادي للبلد، إلا أن استهلاك القات لا يزال يأتي على حساب دخل الأسرة المتواضع أصلاً.

أضرار القات لم تقتصر على الصحة العامة، لكنها طالت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، فضلاً عن استهلاكه لكميات كبيرة من المياه الجوفية خاصة في المناطق الجافة ومن بينها العاصمة صنعاء.

ووفقاً لتقارير وزارة الزراعة اليمنية، فإنّ مساحة زراعة القات زادت خلال العقود الأربعة الماضية بحوالي 21 مرة.

وكان أكاديميون وأطباء استشاريون، طالبوا خلال المؤتمر العلمي الأول الذي نظمته كليه الطب بجامعة صنعاء في 11 فبراير 2022، السلطات ، بمنع استيراد المبيدات الحشرية والأسمدة الخاصة بزراعة القات لتسببها بأضرار خطيرة على صحة الإنسان فضلاً عن إضرارها بالتربة الزراعية.

ودعا المؤتمر الذي نظم تحت عنوان “أضرار القات على صحة الفرد والمجتمع، إلى إنشاء مركز بحثي علمي خاص بأبحاث القات وأضراره تُشرف عليه جامعة صنعاء، مشدداً على أن “التخلص من القات يحتاج إلى إرادة سياسية ووطنية وعزيمة ذاتية”.

الوعي وحده لا يكفي

في حين تتحدث السلطات في البلد عن مخاطر القات، زراعة وتعاطي، إلا أنها لا تتخذ اجراءات قانونية ضبطية حيال أفة تقتات على صحة اليمنيين وأموالهم وأراضيهم الزراعية.

وكانت الحكومة اليمنية قد فرضت بداية ثمانينات القرن الفائت ضرائب على زراعة القات بنسبة 30بالمئة، للحد من انتشاره، لكنها تراجعت لاحقاً وأصدرت القانون رقم 70 من عام 1991 الذي قضى بتخفيض الضرائب المفروضة على زراعة القات لتصل إلى 10% مما أدى إلى ارتفــاع نســبة المزارعين والمتاجريــن بالقات، وبالتالـي إلـى زيـادة أعـداد المستهلكين.

ولا يمكن التعويل على زيادة الوعي بمخاطر القات فقط، فأعداد المتعاطين من الجنسين ومن مختلف الأعمار في تزايد، ولا حل جذري إلا بتدخل حازم ومسؤول من قبل السلطات.

ويرى خبراء اقتصاد ومحليين، إن الحل لكبح تزايد مساحات زراعة القات وتداوله وتعاطيه، هو إعادة رفــع ضرائــب القــات بشكل تدريجي إلى أن تصل إلـى 100%، على أن تذهب العائدات إلى تشجيع مزارعي المنتجــات الزراعيــة الأخــرى وحث مزارعي القات على إنتاج محاصيل أخــرى مثـل العنـب والبن وغيرها من المحاصيل الزراعية.

انتجت هذه المادة بدعم من منظمة انترنيوز Internews ضمن مشروع Rooted In Trust في اليمن.

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى