ادب وثقافة

“تميمة العاشقات” في مختبر السرديات بالأسكندرية 

ثقافة : 

 

تميمة العاشقات في مختبر السرديات بالأسكندرية 

Attachment thumbnail
Attachment thumbnail
Attachment thumbnail
Attachment thumbnail
Attachment thumbnail

ناقش مختبر السرديات في مكتبة الأسكندرية ضمن ندوته الأسبوعية، رواية “تميمة العاشقات” للكاتبة لنا عبد الرحمن، بمشاركة د.سحر شريف، ود.زينب لوت، والناقدة رضا نوح، والناقد شوقي عبد الحميد. قدم الندوة الأديب والناقد منير عتيبة، وفي تقديمة للرواية أوضح أن ” تميمة العاشقات”  هي جولة في ثقافة العالم، وليس في ثقافة محددة، وأوضح أن الكاتبة امتلكت القدرة على خلق شخصيات إنسانية  من لحم ودم، رغم بعدها التاريخي، إلا أنها تجعل القارئ على تماس معها خاصة عبر الإرتحال الجغرافي والفكري المتشعب، والمضمر في مسار النص. 

توقفت الناقدة رضا عبد النبي نوح، في مداخلتها أمام الفضاء السردي في الرواية قائلة : ” أخذتنا الكاتبة إلى قصص سبع نساء تتشابك مصائرهن في خطوط سردية نجد لكل واحد منها تضفيرا مع حكاية أخرى ، يبدأ السرد مع زينة في الخيط الأول وهي تقول انها أفاقت بعد سقوطها في حفرة عميقة، كي تجد نفسها بين ست نساء لا تعرفهن، بل إنها ظلت  تُشاهد مزق حكاياتهن المتناثرة عبر الزمن. بطلات الرواية على اختلاف الزمان والمكان الذي عشن فيه، إلا أنهن جميعا يواجهن  الحياة بشجاعة وقوة. لم يكن مقدرا لهن اختيار البدايات أو النهايات، لكنهن حاولن حتى الرمق الأخير البحث عن المعرفة التي تساعدهن على النجاة. وكأن رسالة الرواية أنه ليس هناك تمائم للعاشقات أو غيرهن، إنما الحب الذي يؤطر الرواية قادر على إعمار الحياة  أو تدميرها في آن واحد. 

حرية التعبير 

وفي كلمتها أوضحت د. سحر شريف أن رواية تميمة العاشقات، تُعد رواية بولوفونية بامتياز، تتحقق فيها أمارات تجعلها تنتمي لهذا الأسلوب، أبرزها تعدد الأصوات. إذ نلتقي في الرواية  عددا من الشخصيات تمتلك أنماطا من الوعي، يحقق لها الاستقلال النسبي ويتيح لها حرية التعبير عن بواطنها، شخصيات غيرية، مستقلة، حرة في اظهار عالمها الداخلي في حدود خطة المعمار السردي الذي اختارته البطلة، هناك آلارا الفرعونية، وآلارا المعاصرة، آني الأرمنية،و يأتي صوت رحمة معبرا عن الصراع، كذلك هي شمس الصباح الإشبيلية التي تم اختطافها وبيعت إلى قصر الأمير، وزينة المرأة التي تنتمي إلى زمن المستقبل.  

كل بطلة تحكي حكايتها بصوت مستقل، يمثل شخصيتها أمام العالم، وهي ترتدي قناعا تخفي وراءه ذاتها الأعمق.ويمكننا القول أن تلك الشخصيات مثلت صراع الذات أمام الآخر. كل شخصية حكت لنا كيف صارعت من أجل البقاء. آلارا صارعت كهنة المعبد، وآلارا المعاصرة واجهت حرب نفسية وجودية لتبحث عن ذاتها، أما الأرمنية آني فتواجه الحرب بين الأرمن والأتراك كما تواجه الحب. وتأتي شخصية ميري مجيد ليكون صراعها الأول مع جسدها الذي أتعبها بشراسته المبكرة، فتصطدم بالمجتمع. تقدم الرواية مواجهة بين الأنا والآخر وهذا يحدث مع  جميع البطلات اللواتي يصطدمن بواقع يجبرهن على المواجهة والتحدي. 

تتضمن الرواية أيضا تعددا في المنظورات السردية، إذ انتقلت الكاتبة من وجهة نظر إلى أخرى، كما تنوع الضمائر بين الغائب والمتكلم والمخاطب، استندت الرواية إلى نمط روائي مركب، دمج عناصر متباينة في السرد،  فقد أدخلت الروائية أجناسا أخرى مثل الشعر والموسيقى والسينما والرسائل، وحوادث التاريخ، والقفز الزمني من عصر إلى آخر. ويلعب التناص دورا مهما في الرواية إلى جانب توظيف الزمكان الذي حقق للنص انسجاما عضويا. وختمت د. سحر شريف كلمتها قائلة : ” تميمة العاشقات رواية تفتح مجالا لتعدد الرؤى النقدية، إنها رواية  ثرية جاذبة تثير أسئلة كبرى تبحث عن إجابات”. 

انشطار الهوية 

قدمت الناقدة الجزائرية زينب لوت مداخلة بعنوان ”  الخطاب المضمر وانشطار الهوية في رواية تميمة العاشقات”، معتبرة أن هذه الرواية ترتحل بنا نحو جغرافيات مختلفة وحضارات متعددة. وفي حديثها عن عتبات النص، أوضحت الناقدة أن جدلية العتبات في النص تقدم خطابات مضمرة تبدأ مع مقولة غونتر غراس في مفتتح الرواية : ” لا تمض إلى الغابة، ففي الغابة غابة”، ولعل هذا الإنتقاء لم يأت اعتباطا، بل من أجل محاكاة رمزية تشير إليها الغابة التي ترمز إلى  النماء والتشابك والتشعب، الصراع الأبدي تحت أنقاض الموت والحياة، كما تستبدل الرواية خشونة الواقع كي تحوله إلى واقع يحمل أبعادا ثلاثية تتضمن التاريخي والفلسفي والاجتماعي. 

تمارسُ الروائية لعبة التَّخفي خلف الخطابات، وتحيل الدهاليز التي تفتحها أمام القارئ بالخيوط المتقاطعة، ولعل مصطلح الخيط يملؤه العديد من الرموز كالتخيط والتتابع او التلازم بين الأشياء وهي نفسها الحكايات التي تجمعُ شخصياتها، بتوليف مقصدية معينة هي الانكشاف والوصف المعرفي لكل الحالات الانتقالية التي تنسق بينها عبر التأريخ والتاريخ. إن انتقاء الشخصيات لا يتصل عند الكاتبة بالجانب التاريخي بقدر ما تتجاذب بينها صلة التشابه في المعاناة والمصير والتفكير، الأفكار تعبر معبر الوجود عبر وجدانية الحس وتصورات الفكر نحو المحيط الثقافي التي تعيشُ وتتعايشُ فيه كل شخصية، بين ماضيها وحاضرها. 

ومع ذلك تثيرُ الرواية تساؤلات كثيرة:  لماذا تنتهج الروائية شخصيات هلامية تلبسها الحيرة الوجودية في الحياة وطبيعتها؟ ماهو البُعد العجائبي الذي تنتهج صنعه داخل المحكي؟ هل سلطة التاريخ تتحكم في سلطة تطور الفكر ؟ كيف تُصنع الأفكار من خلال التجارب أم الممارسة؟ سنجد العديد من الإجابات عبر تساؤلات لا تنتهي من شخصياتها التي احسنت اختيارها في مسار النص. تتعايشُ الرواية في خلق عوالم موازية بين التاريخ الإنساني والمشاعر التي تصاحب الإنسان في وجوديته، وبذلك تختلف الرواية المعاصرة على خلق نوع من التجاذب بين الفكر والثقافة في صناعة الأفكار وكسر حواجز الخطابات لبناء مضمرات متفاوتة. 

بين الحب والحرب 

وعبر تطبيق ززوم قدم الناقد شوقي عبد الحميد، ورقة نقدية بعنوان ” مسيرة المرأة العربية .. بين الحب والحرب “، مما جاء فيها : فى رواية “تميمة العاشقات” ارتبط  تشظي الزمن، بتشظى المكان-أيضا-، حيث نجدهما مرتبطين، حَمْلتِ الكاتبة عنوان الرواية، ذلك التقابل مع مضمونها ورحلتها. فإذا كانت التميمة، هى الحرز الواقى من الشرور. أى الحافظ للإنسان منها، غير أننا لم نر فى سياق الرواية أن شيئا حماهن من الشرور، بل كانت هى المُطاردة من مصيرهن. لتخلق التقابل المُحرك للذهن وللتأمل. 

ولم يكن عنوان الرواية وحده هو الخالق لحالة من الشاعرية، وإنما جاءت العناوين الفرعية أيضا. حيث إختارت عنوانا لكل فصل (خيط) حيث الخيط (يكر) ما إن تمسك بطرفه حتى يتسرب بين الأصابع، فكانت الفصول كلها، متوالية، بغير تريب، إلا أننا نجد أن “آلارا” أنجبت آلارا أخرى، و”آنى” كانت أم “آسيا” وآسيا أم “ميرى”، كما جاءت “رحمة إبنة ل”سولاى” التى أصبح اسمها “شمس الصباح”. لنتستنتج أن “زينة” الباحثة بين الأوراق والصور، ليست إلا الحفيدة المعاصرة لتلك النسوة. وهو ما يخلق الوحدة الكلية للرواية، رغم ما يبدو –ظاهريا- من تباعد بين الوحدات. 

 وكأن الكاتبة، عن طريق “زينة” الساردة” والجامعة للخيوط فى تميمة العاشقات، أو المُنَقِبة عن الخطوط الراسمة لأبعاد الرؤية، عبر الزمان، فى كل أرض عربية، لتخرج لنا بتلك التميمة التى تحملها كل امرأة عربية، واقعة بين مطرقة الحرب، وسندان الحب، والتى تخلص إلى أنه إذا كانت المرأة تعيش بالحب، فإن ما يحاصرها من حروب، تتصاعد نيرانها لتلتهم بذور الحب النابتة- على إستحياء-، وهو ما تعبر عنه “زينة” نفسها بكلماتها.  

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى