دين ودينا

مصر تستعين بالفتاوى لتغيير ثقافة الإنجاب المتجذرة عند المصريين

ديسمبر 05, 2018
عدد المشاهدات 2555
عدد التعليقات 0
القاهرة –
أميرة فكري يستهدف الخطاب الديني إقناع الأسر بخفض معدلات الإنجاب، بالتوازي مع توجّهات الحكومة الرامية إلى خفض الكثافة السكانية، وإقناع الأهالي بإنجاب طفلين فقط، وبلغ الأمر حد التهديد بوقف الدعم المقدم للأسر التي تخالف هذه السياسة.

وأصدر شوقي علام مفتي الديار المصرية مؤخرا، جملة من الفتاوى التي تعكس التحوّل اللافت في نظرة وتعامل المؤسسة مع القضايا الأسرية، وقال “تنظيم الأسرة، وخفض المواليد، من الأمور الدينية الحتمية، واجب شرعي دخل في نطاق اللازم والضروري”.

ويمثّل الخطاب الديني الداعم للحكومة، أقصر الطرق لتغيير مواقف الفئات الفقيرة التي تعتبر سببا في الزيادة السكانية، لأن الدين من الأساسيات التي تسيّر حياتهم، ومهما كانت هناك مبادرات حكومية وإعلامية دون دعمها بفتوى رسمية فلن تؤتي ثمارها.

وتنظر الحكومة إلى التحوّل اللافت في فكر وتوجّه المؤسسة المعنية بإصدار الفتاوى، وانتزاع مشروعية دينية على تحرّكاتها الرامية إلى خفض معدلات الإنجاب، باعتباره خطوة نحو إقناع الأهالي بتغيير الثقافة المرتبطة بزيادة المواليد تحت غطاء ديني.

وكانت منظمة الصحة العالمية كشفت في تقرير سابق لها، أن عزوف شريحة كبيرة من السكان على استخدام وسائل منع الحمل واتّباع برامج تنظيم الأسرة يرجع إلى أسباب دينية أولا، ثم ثقافية وفكرية ثانيا.

إقناع الأسر بتغيير ثقافة الإنجاب، يحتاج لتقديم حوافز للأسر التي تستجيب، لأن العقوبات وحدها لا تغير ثقافة

وأوضح محمود جمال، حارس عقار بحيّ المطرية شمال القاهرة، ولديه ستة أبناء، أنه تربّى داخل أسرة تؤمن بكثرة الأولاد، لأن التدخل في إنجاب اثنين أو ثلاثة فقط، حرام شرعا، وعندما سألته “العرب” عن إمكانية أن يتسبب ذلك في انتهاك براءة الصغار وعدم الاستمتاع بفترة الطفولة أجاب متسائلا “وهل أغضب ربي لأرضي ابني؟”.

عكس حديث جمال، وهو أب لم يحصل على نصيبه من التعليم، أن الفئة التي تعتبرها الحكومة سببا رئيسيّا في الزيادة السكانية، لديها مورثات اجتماعية ودينية وثقافية، أقوى بكثير من مبرّرات خفض الإنجاب التي تبدو مقتصرة على تحسين معدلات التنمية.

وقالت أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس بالقاهرة، سامية منصور، لـ”العرب” إن أيّ خطوة تستهدف إقناع الأسر بخفض معدلات الإنجاب، دون أن يكون الخطاب الديني والإعلامي والثقافي متسقا مع ذلك، فلن تنخفض الكثافة السكانية، لأن هناك اعتقادا راسخا زرعه الأجداد في الأبناء، بأن التدخل في عدد المواليد حرام.

وأشارت إلى أن ضبط الخطاب الديني الموجّه للفئة المستهدفة من تنظيم الأسرة، وإقناعها بالاكتفاء بطفلين، يتطلب إحكام السيطرة على أئمة وشيوخ ورجال الفقه الذين يتحرّكون في اتجاه معاكس للمؤسسات الدينية الرسمية، وهؤلاء اعتادوا الفتوى بأن تدخل الأهل في الإنجاب حرام شرعا، وهذه الفتاوى تمثل دستورا يصعب تجاوزه.

ويقود بعض المتشددين دينيا حملة ممنهجة على مواقع التواصل الاجتماعي ضد آراء دار الإفتاء، في ما يتعلق بتنظيم الأسرة، ويقول السلفيون إنها مجرد صك ديني لشرعنة قرار الحكومة باقتصار الدعم النقدي الموجّه للأسر المستفيدة من برنامج “تكافل وكرامة” على من ينجبوا طفلين فقط،  في توجّه يفتح الباب أمام مجلس النواب لسنّ تشريعات تفضي لعقوبات مضاعفة على الأسر التي ترفض الاستجابة لمبادرات خفض المواليد.

وبدأت وزارة الصحة، التحرّك في مسارات أكثر جدية، بتطوير عيادات تنظيم الأسرة، وزيادة أعدادها في مختلف الأقاليم المصرية، وتوفير وسائل منع الحمل بالمجان، وإطلاق برنامج إذاعي لمدة ستة أشهر تم إنتاجه خصيصا لمشروع “اثنين كفاية”، لتصحيح المفاهيم الدينية الخاطئة لدى بعض المواطنين، بالتنسيق مع الأزهر ودار الإفتاء.

ضبط الخطاب الديني الموجّه للفئة المستهدفة من تنظيم الأسرة، وإقناعها بالاكتفاء بطفلين، يتطلب إحكام السيطرة على أئمة وشيوخ ورجال الفقه

يضاف إلى ذلك، تدريب أطقم التمريض والرائدات الريفيات بمراكز تنظيم الأسرة على مخاطبة السيدات بأسلوب يحثهن على الاكتفاء بطفلين فقط، والتخطيط للقيام بنحو 4 ملايين زيارة لطرق الأبواب و5 آلاف ندوة توعوية لرفع وعي السيدات بمزايا الأسرة الصغيرة.

ويحتاج تغيير ثقافة “العزوة” تحركات غير تقليدية، في ظل ارتفاع معدلات الأمية، كما أن الأسر الشغوفة بزيادة المواليد، لا تفهم الخطاب الحكومي ولا تعيره اهتماما، وتعتبر الطفل أكثر أهمية اقتصادية من أموال الدعم، لأنه منحة لا أحد يضمن استمرارها، وقد تنقطع في أي لحظة.

وفي حديث لـ”العرب”، مع ثلاثة من أرباب الأسر الذين يقدّسون الإنجاب حول مسألة وقف الدعم، اتفق جميعهم على فرضية واحدة مفادها أن “أكثر الأسر البسيطة، والريفية منها بشكل خاص، لا يهمّها دعم الدولة لها، لأن اقتصادها قائم على الأبناء، وهؤلاء لا تتأثر حياتهم بوقف مساعدات حكومية شهرية قد يجمعها الابن في ثلاثة أو أربعة أيام”.

ومن الصعب امتثال أكثر الأهالي للحكومة بتحديد النسل مقابل الدعم، لاعتبارات ترتبط باستمرار الزواج المبكّر، والتسرب من التعليم، وحرمان أسر فقيرة أبنائها من الدراسة نظير دفعهم إلى العمل والمشاركة في توفير احتياجات العائلة، فضلا عن سيطرة ثقافة “تكرار الإنجاب” لحين وصول طفل ذكر.

وأضافت سعاد منصور لـ”العرب”، أن إقناع الأسر بتغيير ثقافاتها وأفكارها المرتبطة بالإنجاب، يحتاج حملة توعوية ضخمة، يشارك فيها المجتمع المدني والمؤسسات الدينية والإعلامية كافة، فضلا عن تقديم حوافز للأسر التي تستجيب، لأن العقوبات وحدها لا تغيّر ثقافة، ومؤسسة دينية واحدة لن تصلح ما أفسده المتشددون.العرب

كاتبة مصرية

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى