تقارير

ناشيونال إنترست: “العالمية” هل تقوّض “العولمة”..؟


عدن اوبزيرفر-24

ميّز أستاذ الأعمال الدولية في جامعة فلوريدا الدولية جيري هار وأستاذ العمليات وسلاسل التوريد العالمية في جامعة جورج تاون ريكاردو إرنست بين العولمة والعالمية.


ويرى الكثير من الوسطيين العقلانيين اليوم أن العولمة، بعبع الانعزاليين والحمائيين وناشطي البيئة والعمل، في طور الاحتضار إن لم تكن قد ماتت أصلاً. لكن الكاتبين سردا في مؤسسة “ناشونال إنترست” ما اعتبراه مجموعة من الأدلة التجريبية المقنعة التي تثبت العكس.

أرقام حديثة
مؤخراً، أعلنت شركة أبل أنها ستصنع 25 في المئة من منتجاتها في الهند بسبب الاضطرابات في الصين. وخصصت أكبر شركة لتصنيع رقاقات الحواسيب المتقدمة حول العالم تي.أس.أم.سي 12 مليار دولار لبناء مصنع في أريزونا لأشباه الموصلات في 2020 وأعلنت مذذاك عن افتتاح ثاني مصنع للرقاقات الإلكترونية هناك، رافعة استثمارها في الولاية إلى 40 مليار دولار. واستثمرت نوا آيتك، وهي مورد صيني لشركة تسلا، 100 مليون دولار في مصنع جديد بمونتري المكسيكية بينما وسعت مجموعة التجميل البرازيلية المتعددة الجنسيات ناتشورا حضورها في 73 دولة على امتداد جميع القارات باستثناء أنتاركتيكا. في الواقع، يكمن مصدر كبير للتشاؤم والهجمات ضد العولمة في الخلط الواسع النطاق بين العولمة والعالمية.


ما هو الفارق؟
يشرح الكاتبان أن العالمية هي عقيدة، مجموعة صلبة من المعتقدات بأنه يجب أن يكون الأفراد والسلع والخدمات والرساميل قادرين على الانتقال من دون قيود عبر الحدود وبأنه يجب توقيع اتفاقات لتعزيز الترابط والاعتماد المتبادل. من جهة أخرى، إن العولمة هي الدينامو، العملية الفعلية للتبادلات العابرة للحدود للمنتجات والخدمات والأفراد والمعلومات والأموال. إنها عملية مرنة وسريعة الحركة بالرغم من أنها تتأثر غالباً بعوامل خارجية مثل الجوائح والكوارث الطبيعية والتغير المناخي والاضطرابات الأهلية والسلامة العامة.
العولمة تتطور
رداً على أولئك الذين يدعون أن العالم دخل مرحلة تفكك للعولمة، بإمكان المرء الإشارة إلى أن حجم وقيمة التجارة العالمية قد توسعا بـ4 و6 في المئة على التوالي منذ تأسيس منظمة التجارة العالمية سنة 1995. إضافة إلى ذلك، إن تجارة الخدمات المستثناة من تقارير التجارة الدولية تتخطى 6.1 تريليون دولار وهي تمثل أكثر من خمس تجارة السلع والخدمات. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن تجارة الخدمات، وعلى عكس تجارة السلع، تنتج فائضاً سنوياً للولايات المتحدة. في حين أن العالمية ثابتة، فهي في نهاية المطاف عقيدة، تتطور العولمة.

التجارة
معلوم أن التجارة بين الدول تتأرجح. انخفضت الواردات الأمريكية من السلع الصينية إلى أقل من 17 في المئة السنة الماضية بعدما وصلت إلى 22 في المئة سنة 2017. إن دولاً مثل المكسيك وفيتنام وكوريا الجنوبية كسبت حصة على حساب الصين حيث عززت فيتنام صادراتها إلى الولايات المتحدة حتى 120 مليار دولار، وهي زيادة بعشرة أضعاف منذ سنة 2007. في الوقت نفسه، تتزايد بصمة الصين في الأمريكيتين بشكل درامي حيث أصبحت بكين الآن ثاني أكبر شريك تجاري في المنطقة بعد الولايات المتحدة.
سمة ثانية
السمة الثانية للعولمة هي التركيز. ما من منطقة قريبة من أن تكون مكتفية ذاتياً. كل منطقة تعتمد على التجارة مع آخرين لأكثر من 25 في المئة على الأقل من صنف مهم واحد من السلع. وفق معهد ماكينزي العالمي، نسبة 40 في المئة من التجارة العالمية “مركزة”. تستورد الولايات المتحدة تقريباً كل الشاحنات نصف المقطورة ومركبات البضائع الخفيفة من المكسيك بينما تستورد المكسيك جميع منتجاتها تقريباً من الذرة والبروبان والمنتجات البترولية المكررة من الولايات المتحدة. يحسن هذا التركيز الفاعلية ووفرة المنتجات لكن يمكن أن ينجم عن ذلك تعقيدات خصوصاً حين يكون من الصعب استبدال المنتج في غضون مهلة قصيرة. الإغلاقات المرتبطة بالجائحة في الصين والغزو الروسي لأوكرانيا مثلان على ذلك.
نتيجة للجائحة، انتقل موضوع سلاسل التوريد من قضية ثانوية إلى أخرى تحتل الصدارة. خدم النقص في معدات الحماية الشخصية وازدحام الموانئ ومحدودية مصادر التوريد بالنسبة إلى بعض المنتجات مثل أشباه الموصلات كجرس إنذار للشركات من أجل تنويع وبناء فائض في سلاسل التوريد الخاصة بها، وحيث كان ذلك ممكناً، إعادة الإنتاج إلى البلاد أو على الأقل إلى مناطق قريبة.
ظاهرة أخرى يتم تجاهلها
ما يتم تجاهله في النقاشات بشأن العولمة وفق الكاتبين هو موضوع السلع المنتجة محلياً للسوقين المحلية والخارجية. إن شركات مثل منتج قطع السيارات المكسيكي دلفي تمد الأسواق المحلية والخارجية. مع ازدياد القدرات التقنية بين الموردين ونمو طلب المستهلك المحلي، بإمكان المنتجين ذوي الأسواق الداخلية الكبيرة مثل الصين والبرازيل والهند أن يوجهوا المزيد من إنتاجهم نحو الداخل مقلصين اعتمادهم على الصادرات. يولد هذا وهم ازدياد تفكك العولمة.
رقم قياسي… ومعادلة ثابتة
لقد بلغ حجم التجارة العالمية رقماً قياسياً في 2022 وهو 32 تريليون دولار وفق الأمم المتحدة. وبالرغم من التأثير المستمر للوباء وأسعار الطاقة المرتفعة وأسعار الفائدة والتضخم المستدام والتداعيات السلبية للحرب في أوكرانيا، ستتواصل تجارة السلع والخدمات العالمية والارتباط التجاري بلا هوادة. يرى الأستاذ في جامعة هارفارد داني رودريك أن العولمة لا تنهار بل تخضع لإعادة تشكل. ويختم الكاتبان بالإشارة إلى أنه مهما يكن موقف المرء من العالمية، يجب أن يكون أمر واحد واضحاً تماماً: في حين أن العالمية قد تكون قابلة للجدل، تطورت العولمة إلى درجة لا يمكن عكسها.

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى