مقالات

إيران وأكرادها بين الاستيعاب أو مزيد من التشدد


إبلاغ هذه الأحزاب حظر جميع أنشطتها العسكرية المعادية للنظام انطلاقاً من الأراضي العراقية وسلطة الإقليم

حسن فحص


موجة الاعتراضات التي شهدتها المدن الإيرانية كانت أكثر عنفاً وأشد ضراوة في المحافظات والمناطق التي يسكنها الأكراد (أ ف ب/ غيتي)

قد يكون من الصعب المرور على التغييرات التي أجراها حرس الثورة الإسلامية في إيران بقيادة قواته العاملة في محافظة أذربيجان الغربية – الكردية مروراً عابراً أو اعتبارها مجرد إجراءات إدارية وتنظيمية داخل هذه المؤسسة العسكرية.

فعملية التغيير الواسعة التي حصلت في قيادة مقر “حمزه سيد الشهداء” في مدينة أرومية وقيادة حرس محافظة أذربيجان الغربية، وتعيين العقيد بور جمشيديان قائداً جديداً للمقر والآتي من موقع مسؤول عمليات حرس الثورة وقبلها عمل كمنسق للقوات البرية في الحرس، إضافة إلى تسليم الجنرال محمد حسين رجبي قيادة المقر الإقليمي في قوة بيت المقدس في كردستان والآتي من موقع مستشار قائد القوات البرية، تكشف عن حجم التحدي الذي تشكله المناطق الكردية – الإيرانية بالنسبة إلى النظام والمؤسسة العسكرية والمنظومة الحاكمة.

وأهمية هذه التغييرات تأتي بعد التطورات التي شهدها إقليم كردستان العراق الذي عمل على تفكيك مواقع ومراكز الأحزاب الكردية – الإيرانية الناشطة على الأراضي العراقية وتحت رعاية زعامة مسعود بارزاني وغطاء منه، ونقلها إلى مقار مدنية داخل الإقليم بعيداً من خط الحدود، إضافة إلى إبلاغ هذه الأحزاب حظر جميع أنشطتها العسكرية المعادية للنظام الإيراني انطلاقاً من الأراضي العراقية وسلطة الإقليم.

وأدى هذا القرار إلى تمرد عناصر حزب “كومله” المنتشرين على الشريط الحدودي بين محافظة السليمانية وإيران وحصول اشتباكات بينهم وعناصر “البيشمركة” التابعة لسلطات السليمانية والإقليم.

ومن غير المستبعد أن يكون النظام الإيراني استفاد من الأجواء الإيجابية التي بدأت تتبلور في المنطقة بعد التطورات السياسية وسياسة الحوار والانفتاح التي لجأ إليها مع دول الجوار العربي وغير العربي، إضافة إلى قنوات التواصل المفتوحة عبر وسطاء إقليميين ودوليين مع الإدارة الأميركية وعواصم “الترويكا” الأوروبية لاتباع مسار تصعيدي في التعامل مع الأزمة الكردية، بما في ذلك الدور الذي لعبه ويلعبه الإقليم العراقي في الأوساط الكردية – الإيرانية مستغلاً في ذلك الصفقة غير المعلنة التي جرت بينه والإدارة الأميركية وأسهمت في صياغة التسوية بين القوى والأحزاب العراقية وتشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني الذي يعتبر ممثلاً لـ”الإطار التنسيقي الشيعي” الذي يضم الفصائل والقوى الموالية والمتحالفة مع إيران، ومشاركة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي. وأرغم الزعيم الكردي مسعود بارزاني على القبول بها والتخلي عن تحالفه مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تحت ضغط الصواريخ والمسيّرات الإيرانية التي استهدفت عدداً من مقار الأحزاب الكردية – الإيرانية في الإقليم، فضلاً عن مواقع وأماكن قالت طهران إنها تستخدم من قبل جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” لشنّ عمليات أمنية ضد أهداف داخل العمق الإيراني، بخاصة الموقع الاستراتيجي في كردستان إيران الذي يستخدم كقاعدة للطيران المسيّر.

ما يستدعي التوقف عند هذه القرارات والتغييرات، الحساسية التي تتميز بها هذه المنطقة أو المحافظات الغربية لإيران لجهة التحديات الأمنية والعسكرية، فضلاً عن تحولها إلى مصدر قلق تاريخي لم ينشأ مع النظام الإسلامي، بل يمتد إلى زمن النظام الملكي السابق، نتيجة الصراع المستمر بين الحكومة المركزية والجماعات الكردية وأحزابها السياسية والعسكرية والمطالب المختلفة التي رفعتها في إطار صراعها مع حكومة طهران بغض النظر عن النظام الحاكم فيها، في مقابل الآلية الواحدة التي تعاملت بها إيران مع هذه الحركات والتي كانت تقوم على عدم الثقة والنظرة المشككة في نوايا القوى الكردية الانفصالية والتقسيمية.

وإذا ما كانت تجربة قاضي محمد بإعلانه عن تشكيل دولة كردستان الديمقراطية أو ما يعرف بجمهورية مهاباد نسبة إلى المدينة، فإن الحراك حينها شكل الأساس الذي قامت عليه كل الحركات الكردية سواء داخل إيران أو في مناطق توزعها في العراق وتركيا، بخاصة أن العمود الفقري لقوات هذه الجمهورية كان من أكراد العراق بقيادة الزعيم ملا مصطفى بارزاني، وترافق تشكيل هذه الجمهورية مع تأسيس أول حزب كردي هو حزب “كومله” الذي تبنى الفكر الشيوعي بتأثير من الوجود السوفياتي في إيران حينها ودعمه لهذه الجمهورية، وقد رفع شعارات انفصالية ودعا إلى تأسيس دولة كردية مستقلة.

وبعد انتصار الثورة وإقامة “الجمهورية الإسلامية”، لم تختلف النظرة أو منطلقات التعامل بين الحكومة المركزية والجماعة الكردية، حتى مع ظهور أحزاب وجماعات جديدة طالبت بالفيدرالية أو الحكم الذاتي، أو تطبيق الدستور الذي يتضمن جانباً من حقوق الأقليات القومية في التعليم والتنمية والمشاركة في الإدارة والحكم، إلا أن هذه النظرة وعدم الثقة بالشريك الكردي أديا إلى نشوب نزاعات وصراعات وقتال بين المركز والطرف الكردي، وشكلت هذه المعارك أكبر تحدّ للثورة ونظامها الجديد وهي نزاعات رسمت مسار التعامل بين الطرفين على مدى العقود الأربعة من عمر النظام الإسلامي، وصولاً إلى الأزمة الأخيرة التي اندلعت في سبتمبر (أيلول) 2022 نتيجة مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني على يد “شرطة الأخلاق” في العاصمة طهران.

موجة الاعتراضات التي شهدتها المدن الإيرانية بما فيها العاصمة طهران كانت أكثر عنفاً وأشد ضراوة في المحافظات والمناطق والمدن التي يسكنها الأكراد إلى الغرب من إيران وتعاملت معها السلطة والمؤسسة العسكرية بكثير من العنف والقسوة لما شكلته من تحدٍّ حقيقي لأمن النظام واستقراره.

والنظام في المقابل لم يتردد في اتهام الأحزاب والجماعات الكردية بالعمل ضمن أجندة أميركية – إسرائيلية وبمساعدة من الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل بزعامة مسعود بارزاني لإنشاء إقليم كردي انفصالي مستقل، مستغلين الأوضاع الداخلية وحركة الاحتجاج التي توسعت دائرتها وتحولت إلى تحدٍّ حقيقي للنظام وأجهزته ومؤسساته الأمنية والعسكرية.

وقد تعني هذه التغييرات سواء في القيادة العسكرية التي تتحكم بها قوات حرس الثورة على حساب الجيش الرسمي أن النظام ربما يذهب إلى سياسة تصفية الحساب مع الأحزاب والقوى الكردية السياسية والعسكرية التي قد تحمل مزيداً من التشدد، في مقابل اتباع سياسة مختلفة مع أبناء هذه المنطقة من خلال تفعيل مشاريع التنمية والتجارة الرسمية وغير الرسمية بين هذه المحافظات والداخل العراقي، مستفيداً من الانفراج المالي والاقتصادي الذي قد يطرأ نتيجة الحصول على جزء من الأرصدة المجمدة في الداخل.

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى