كتاب عدن

اليمن وخطر فوضوية “المجلس”

 

ليس من المبكر مطالبة مجلس القيادة الرئاسي اليمني بجردة حساب عما حقق منذ تشكيله في السابع من أبريل (نيسان) 2022، فمن المنطقي أن فترة ثمانية أشهر التي مرت ليست قصيرة على الإطلاق، باعتبار أن “المجلس” تم اختياره لإنجاز مهمات عاجلة في مقدمها التهيئة لمشاورات السلام مع جماعة “أنصار الله” الحوثية، بحسب نص الإعلان الذي قرأه وزير الإعلام نيابة عن الرئيس عبدربه منصور هادي، ثم أكده البيان الختامي لمشاورات الرياض الذي تلاه رئيس الحكومة نيابة عن المشاركين.

في واقع الأمر فإن “المجلس” لم يتمكن حتى هذه اللحظة من وضع هيكل تنظيمي لأعماله، وما استطاع تدبير مقر دائم لنشاطاته، وعجر عن إقرار لائحة تنظيمية تبين مهمات الأعضاء، وذلك على رغم أن البيان حدد بدقة صلاحيات رئيسه، لكنه ألزمه في المقابل بالتشاور مع بقية الأعضاء السبعة قبل اتخاذ أي قرار. وهذه العوامل التي عجز عن تأمينها “المجلس” تشكل أساساً مهماً لعمله، وعدم تحققها يصيب صدقيته وقدرته على تقديم حلول عاجلة واتخاذ قرارات تضمن الاستقرار وتحدد مستقبل البلاد، ومن دونها سيظل يعمل بأسلوب غير منظم وسيدخل في حال صراع وظيفي مبتعداً من مهمته الحقيقية.
صحيح أن العمل السياسي الجماعي في العالم العربي عموماً وفي اليمن خصوصاً لم يبلغ النضج الذي يسهم في صنع القرار وانتقاله بسلاسة من القمة إلى قاع المؤسسات، وغالباً ما يتم اختزاله باحتكار نفر قليل له. ولما كان الأمر يجري من دون دراسة جادة للأوضاع المحيطة فإن صانع القرار يعتمد على الانطباعات الشخصية والمعلومات التي يستقيها من أهل الثقة قبل الالتفات إلى الكفاءات وأصحاب التجربة. وتكون النتيجة الطبيعية إصدار قرارات مشوهة تؤثر في العمل المؤسسي المنشود وتزيد من فقدان الثقة في أهليته.

عملية عشوائية

توقع كثيرون أن يكون أول عمل للمجلس هو إنجاز ملء الوظائف التي تحددها لوائح عمل مكتب رئاسة الدولة، وفيها من التوصيف الوظيفي ما يكفي لحسن الاختيار، ولكن الذي حدث كان عملية عشوائية، وإلى هذه اللحظة لا يعرف المواطن وربما أعضاء المجلس كيفية إدارة المشهد الإداري في قمة هرم الدولة. فيصبح من غير الممكن انتظار انضباط أعمال “المجلس” والتيقن من حسن اختيار العاملين في القطاعات المختلفة.
من الإجراءات المتكررة وشديدة الخطورة التي يمارسها “المجلس”، مناطقية الاختيارات للوظائف المختلفة التي تم التعرف عليها ويثار لغط وشكوك كثيرة حولها. فعلى سبيل المثال تثار أسئلة كثيرة حول التعيينات التي جرت في المؤسسة القضائية ويقال إنها تمت بخطوط مناطقية صرفة، وليس هذا تشكيكاً في كفاءة ونزاهة المختارين، ولكن الحقيقة أن معايير الانتماء الجغرافي كانت واضحة بفجاجة ومسيطرة على قوائم المعينين.

حالياً يجري تثبيت الخطوط الجغرافية بما لا يتيح فرصة إعادة مكانة واحترام الوظيفة العامة، وليست القضية مقتصرة على الجهاز المدني فالحديث الذي نسمعه ويتم تداوله هو الرغبة في انضمام الوحدات العسكرية والفرق الأمنية التي تم تجنيدها خلال الحرب كـ “مقاومة وطنية” ضد الوحدات العسكرية التي شكلها الحوثيون، وجرت عملية قسرية عبثية في منح الرتب العليا بعشوائية على غير منتسبي المؤسسة العسكرية، وسيكون من غير المعقول أن يجري ضم ودمج هذه الوحدات التي لا تعترف أصلاً بالنظام العسكري وجرى تشكيل أغلبها بخطوط مناطقية ومذهبية.

محاولة تنبيه

إنني حين اركز ملاحظاتي على عجز “المجلس” فإن ذلك ليس أكثر من محاولة تنبيه للمخاطر التي سيواجهها ويجر معها البلاد والمواطنين، ومن هنا فإن أعضاءه مطالبون بوقف كل التعيينات وإعادة النظر في ما تم خلال الفترة الماضية، وقبل كل ذلك الامتناع عن إفساد معايير الخدمة المدنية والمؤسستين العسكرية والأمنية، لأن استمرار هذا العبث سيحجب كل فرص خلق نموذج يتطلع إليه الناس باحترام بعيداً من البيانات المتكررة التي لم يعد الناس يثقون بها.
وأعيد لمرة ربما لن تكون الأخيرة، أن الشفافية في اتخاذ قرارات التعيين وإعلانها أمر واجب وملزم، وهناك قضايا شديدة الاستعجال يجب حسمها وهي لا تحتاج إلى أكثر من تفعيل القوانين واللوائح المرعية وإبداء الحد الأدنى من احترام النص الدستوري.

لقد انتهت فترات عمل كل سفراء الجمهورية والعاملين في البعثات عدا من تم تعيينهم خلال العام الحالي، وإذا كان “المجلس” جاداً في احترامه للرأي العام وللدستور فإن عليه استدعاء كل رؤساء البعثات من دون استثناء ومن دون مجاملة، وإعداد دراسة جادة عن أهمية وجود هذا العدد المتضخم من السفارات والموظفين الذين تم تعيينهم بصورة غير قانونية ومن دون وجه حق. فإلى جانب عدم الحاجة إليهم فالأمر متعلق أيضاً بحكومة مفلسة لم تحدد أولوياتها المالية والإدارية ومن غير المعقول أنها لا تعلم يقيناً ما يجب أن تفعله ومن دون تلكؤ.

لا جدية ملموسة

سيظل انتقاد الناس لـ “المجلس” قاسياً لأنهم لم يجدوا ما يشي بالجدية في تحقيق المؤمل، ولا يمكن القول إن الذي يتحقق من مشاريع تنموية على بساطتها هي من فعله أو من فعل الحكومة، لأنها جميعها ممولة من دول الإقليم، كما أن عدداً منها تم الاتفاق عليه مع الحكومات السابقة، وتوقف التنفيذ لأسباب إدارية حيناً وسياسية أحياناً كثيرة.

وهنا أعود للقول إنه من غير الممكن استمرار عمل “المجلس” بهذا الأسلوب المربك والمرتبك، وإذا لم يتمكن من ضبط نشاطاته فلا بد أن الأمر سيخرج عن سيطرة الجميع، وسيتحول الوضع إلى شلل كامل في اتخاذ القرار ناهيك عن إنفاذه في الواقع. وعلى رغم أنه من الضروري التفكير في إعادة هيكلة “المجلس”، لكن ما يسبق ذلك هو ضبط عمل مكتب الرئاسة والالتزام باللوائح المعروفة والمقرة، وإعلان التعيينات التي يتحدث عنها المواطنون لأنها تجري حالياً بسرية ومن دون التقيد بأنظمة الخدمة المدنية.

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى